وقوله تعالى : { قل تربصوا } وعيد في صيغة أمر ، و : { المنون } من أسماء الموت ، وبه فسر ابن عباس ، ومن أسماء الدهر أيضاً ، وبه فسر مجاهد وقال الأصمعي : { المنون } واحد لا جمع له وقال الأخفش : هو جمع لا واحد له .
قال القاضي أبو محمد : والريب هنا : الحوادث والمصائب ، لأنها تريب من نزلت به ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمر ابنته فاطمة حين ذكر أن علياً يتزوج بنت أبي جهل : «إنما فاطمة بضعة مني ، يريبني ما أرابها »{[10653]} . يقال أراب وراب ، ومنه : [ الطويل ]
فقد رابني منها الغداة سفورها . . . {[10654]}
وقد رابني قولها يا هنا ه . . . {[10655]}
وأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بتوعدهم بقوله : { قل تربصوا فإني معكم من المتربصين } .
وردت جملة { قل تربصوا } مفصولة بدون عطف لأنها وقعت في مقام المحاورة لسبقها بجملة { يقولون شاعر } [ الطور : 30 ] الخ ، فإن أمر أحد بأن يقول بمنزلة قوله فأُمر بقوله ، ومثله قوله تعالى : { فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة } [ الإسراء : 51 ] .
والأمر في { تربصوا } مستعمل في التسوية ، أي سواء عندي تربصكم بي وعدمه . وفرع عليه { فإني معكم من المتربصين } أي فإني متربص بكم مثل ما تتربصون بي إذ لا ندري أينا يصيبه ريب المنون قبل .
وتأكيد الخبر ب ( إن ) في قوله : { فإني معكم من المتربصين } لتنزيل المخاطبين منزلة من ينكر أنه يتربص بهم كما يتربصون به لأنهم لغرورهم اقتصروا على أنهم يتربصون به ليروا هلاكه ، فهذا من تنزيل غير المنكر منزلة المنكر .
والمعية في قوله : { معكم } ظاهرها أنها للمشاركة في وصف التربص .
ولمّا كان قوله : { من المتربصين } مقدراً معه « بكم » لمقابلة قولهم : { نتربص به ريب المنون } [ الطور : 30 ] كان في الكلام توجيه بأنه يبقى معهم يتربص هلاكهم حين تبدو بوادره ، إشارة إلى أن وقعة بدر إذْ أصابهم من الحدثان القتل والأسر ، فتكون الآية مشيرة إلى صريح قوله تعالى في سورة براءة ( 52 ) { قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم اللَّه بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون . وإنما قال هنا : من المتربصين } ليشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم يتربص بهم ريب المنون في جملة المتربصين من المؤمنين ، وذلك ما في آية سورة براءة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين .
وقد صيغ نظم الكلام في هذه الآية على ما يناسب الانتقال من غرض إلى غرض وذلك بما نُهِّي به من شبه التذييل بقوله : { قل تربصوا فإنى معكم من المتربصين } إذ تمت به الفاصلة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.