المسألة الخامسة : كيف قال : { تربصوا } بلفظ الأمر وأمر النبي صلى الله عليه وسلم يوجب المأمور ( به ) أو يفيد جوازه ، وتربصهم ذلك كان حراما ؟ نقول ذلك ليس بأمر وإنما هو تهديد معناه تربصوا ذلك فإنا نتربص الهلاك بكم على حد ما يقول السيد الغضبان لعبده افعل ما شئت فإني لست عنك بغافل وهو أمر لتهوين الأمر على النفس ، كما يقول القائل لمن يهدده برجل ويقول أشكوك إلى زيد فيقول اشكني أي لا يهمني ذلك وفيه زيادة فائدة ، وذلك لأنه لو قال لا تشكني لكان ذلك دليل الخوف وينافيه معناه ، فأتى بجواب تام من حيث اللفظ والمعنى ، فإن قيل لو كان كذلك لقال تربصوا أو لا تربصوا كما قال : { فاصبروا أو لا تصبروا } نقول ليس كذلك لأنه إذا قال القائل فيما ذكرناه من المثال اشكني أو لا تشكني يكون ذلك مفيدا عدم خوفه منه ، فإذا قال اشكني يكون أدل على عدم الخوف ، فكأنه يقول أنا فارغ عنه ، وإنما أنت تتوهم أنه يفيد فافعل حتى يبطل اعتقادك .
المسألة السادسة : في قوله تعالى : { فإني معكم من المتربصين } وهو يحتمل وجوها : ( أحدها ) إني معكم من المتربصين أتربص هلاككم وقد أهلكوا يوم بدر وفي غيره من الأيام هذا ما عليه الأكثرون والذي نقوله في هذا المقام هو أن الكلام يحتمل وجوها وبيانها هو أن قوله تعالى : { نتربص به ريب المنون } إن كان المراد من المنون الموت فقوله { إني معكم من المتربصين } معناه إني أخاف الموت ولا أتمناه لا لنفسي ولا لأحد ، لعدم علمي بما قدمت يداه وإنما أنا نذير وأنا أقول ما قال ربي { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } فتربصوا موتي وأنا متربصه ولا يسركم ذلك لعدم حصول ما تتوقعون بعدي ، ويحتمل أن يكون كما قيل تربصوا موتي فإني متربص موتكم بالعذاب ، وإن قلنا المراد من ريب المنون صروف الدهر فمعناه إنكار كون صروف الدهر مؤثرة فكأنه يقول أنا من المتربصين حتى أبصر ماذا يأتي به دهركم الذي تجعلونه مهلكا وماذا يصيبني منه ، وعلى التقديرين فنقول النبي صلى الله عليه وسلم يتربص ما يتربصون ، غير أن في الأول : تربصه مع اعتقاد الوقوع ، وفي الثاني : تربصه مع اعتقاد عدم التأثير ، على طريقة من يقول أنا أيضا أنتظر ما ينتظره حتى أرى ماذا يكون منكرا عليه وقوع ما يتوقع وقوعه ، وإنما هذا لأن ترك المفعول في قوله { إني معكم من المتربصين } لكونه مذكورا وهو ريب المنون أولى من تركه وإرادة غير المذكور وهو العذاب ( الثاني ) أتربص صروف الدهر ليظهر عدم تأثيرها فهو لم يتربص بهم شيئا على الوجهين ، وعلى هذا الوجه يتربص بقاءه بعدهم وارتفاع كلمته فلم يتربص بهم شيئا على الوجوه التي اخترناها فقال : { إني معكم من المتربصين } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.