معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱتَّبِعُواْ مَن لَّا يَسۡـَٔلُكُمۡ أَجۡرٗا وَهُم مُّهۡتَدُونَ} (21)

قوله تعالى : { اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون } قال قتادة : كان حبيب في غار يعبد الله ، فلما بلغه خبر الرسل أتاهم فأظهر دينه ، فلما انتهى حبيب إلى الرسل قال لهم : تسألون على هذا أجراً ؟ قالوا : لا ، فأقبل على قومه فقال : ( ( يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون ) ) ، فلما قال ذلك قالوا له : وأنت مخالف لديننا ومتابع دين هؤلاء الرسل ومؤمن بإلههم ؟ فقال : { ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون } قرأ حمزة و يعقوب : ( ( مالي ) ) بإسكان الياء ، والآخرون بفتحها . قيل : أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم ، لأن الفطرة أثر النعمة ، وكانت عليه أظهر ، وفي الرجوع معنى الزجر وكان بهم أليق . وقيل : إنهم لما قال : اتبعوا المرسلين ، أخذوه فرفعوه إلى الملك ، فقال له الملك : أفأنت تتبعهم ؟ فقال : ( ( ومالي لا أعبد الذي فطرني ) ) ، يعني وأي شيء لي إذا لم أعبد الخالق { وإليه ترجعون } تردون عند البعث فيجزيكم بأعمالكم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱتَّبِعُواْ مَن لَّا يَسۡـَٔلُكُمۡ أَجۡرٗا وَهُم مُّهۡتَدُونَ} (21)

{ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا } أي : على إبلاغ الرسالة ، { وَهُمْ مُهْتَدُونَ } فيما يدعونكم إليه ، من عبادة الله وحده لا شريك له .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱتَّبِعُواْ مَن لَّا يَسۡـَٔلُكُمۡ أَجۡرٗا وَهُم مُّهۡتَدُونَ} (21)

وذُكر أنه لما أتى الرسل سألهم : هل يطلبون على ما جاءوا به أجرا ؟ فقالت الرسل : لا ، فقال لقومه حينئذٍ : اتبعوا من لا يسألكم على نصيحتهم لكم أجرا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لما انتهى إليهم ، يعني إلى الرسل ، قال : هل تسألون على هذا من أجر ؟ قالوا : لا ، فقال عند ذلك : يا قَوْمِ اتّبِعُوا المُرْسَلِينَ اتّبِعوا مَنْ لا يَسأَلُكُمْ أجْرا وَهُمْ مُهْتَدُونَ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق فيما بلغه ، عن ابن عباس ، وعن كعب الأحبار ، وعن وهب بن منبه اتّبِعُوا مَنْ لا يَسألُكُمْ أجْرا وَهُمْ مُهْتَدُونَ : أي لا يسألونكم أموالكم على ما جاؤوكم به من الهدى ، وهم لكم ناصحون ، فاتبعوهم تهتدوا بهداهم .

وقوله : وَهُمْ مُهْتَدُونَ يقول : وهم على استقامة من طريق الحقّ ، فاهتدوا أيها القوم بهداهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱتَّبِعُواْ مَن لَّا يَسۡـَٔلُكُمۡ أَجۡرٗا وَهُم مُّهۡتَدُونَ} (21)

وجملة { اتبعوا من لا يسألكم أجراً } مؤكدة لجملة { اتبعوا المرسلين } مع زيادة الإِيماء إلى علة اتّباعهم بلوائح علامات الصدق والنصح على رسالتهم إذ هم يَدْعُون إلى هُدى ولا نفع ينجرّ لهم من ذلك فتمحّضت دعوتهم لقصد هداية المرسَل إليهم ، وهذه كلمة حكمة جامعة ، أي اتبعوا من لا تخسرون معهم شيئاً من دنياكم وتربحون صحة دينكم .

وإنما قدم في الصلة عدم سؤال الأجر على الاهتداء لأن القوم كانوا في شك من صدق المرسلين وكان من دواعي تكذيبهم اتّهامهم بأنهم يجرّون لأنفسهم نفعاً من ذلك لأن القوم لما غلب عليهم التعلق بحب المال وصاروا بعداء عن إدراك المقاصد السامية كانوا يَعُدّون كل سعي يلوح على امرىء إنما يسعى به إلى نفعه . فقدم ما يزيل عنهم هذه الاسترابة وليَتهَيّؤوا إلى التأمل فيما يدعونهم إليه ، ولأن هذا من قبيل التخلية بالنسبة للمرسلين والمرسل إليهم ، والتخلية تُقدَّم على التحلية ، فكانت جملة { لا يسألكم أجراً } أهم في صلة الموصول .

والأجر يصدق بكل نفع دنيوي يحصل لأحد من عمله فيشمل المال والجاه والرئاسة . فلما نفي عنهم أن يسألوا أجراً فقد نفي عنهم أن يكونوا يرمون من دعوتهم إلى نفع دنيوي يحصل لهم .

وبعد ذلك تهيّأ الموقع لجملة { وهُم مهتدون } ، أي وهم متّصفون بالاهتداء إلى ما يأتي بالسعادة الأبدية ، وهم إنما يدعونكم إلى أن تسيروا سِيرتهم فإذا كانوا هم مهتدين فإن ما يدعونكم إليه من الاقتداء بهم دعوة إلى الهدى ، فتضمنت هذه الجملة بموقعها بعد التي قبلها ثناء على المرسلين وعلى ما يدعون إليه وترغيباً في متابعتهم .

وأعلم أن هذه الآية قد مثل بها القزويني في « الإِيضاح » و « التلخيص » للإِطناب المسمى بالإِيغال وهو أن يُوتَى بعد تمام المعنى المقصود بكلام آخر يتمّ المعنى بدونه لنكتة ، وقد تبين لك مما فسّرنا به أن قوله : { وهم مهتدون } لم يكن مجرد زيادة بل كان لتوقف الموعظة عليها ، وكان قوله : { من لا يسألكم أجراً } كالتوطئة له . ونعتذر لصاحب « التلخيص » بأن المثال يكفي فيه الفرض والتقدير .

وجاءت الجملة الأولى من الصلة فعلية منفية لأن المقصود نفي أن يحدث منهم سؤال أجر فضلاً عن دوامه وثباته ، وجاءت الجملة الثانية اسمية لإِفادة إثبات اهتدائهم ودوامه بحيث لا يخشى من يتبعهم أن يكون في وقت من الأوقات غير مهتد .