البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱتَّبِعُواْ مَن لَّا يَسۡـَٔلُكُمۡ أَجۡرٗا وَهُم مُّهۡتَدُونَ} (21)

واحتج عليهم بقوله : { اتبعوا من لايسألكم أجراً وهم مهتدون } : أي وهم هدى من الله .

أمرهم أولاً باتباع المرسلين ، أي هم رسل الله إليكم فاتبعوهم ، ثم أمرهم ثانياً بجمله جامعة في الترغيب ، في كونهم لا ينقص منهم من حطام دنيانهم شيء ، وفي كونهم يهتدون بهداهم ، فيشتملون على خيري الدنيا والآخرة .

وقد أجاز بعض النحويين في { من } أن تكون بدلاً من { المرسلين } ، ظهر فيه العامل كما ظهر إذا كان حرف جر ، كقوله تعالى : { لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم } والجمهور : لا يعربون ما صرح فيه بالعامل الرافع والناصب ، بدلاً ، بل يجعلون ذلك مخصوصاً بحرف الجر .

وإذا كان الرافع والناصب ، سموا ذلك بالتتبيع لا بالبدل .

وفي قوله : { اتبعوا من لا يسألكم أجراً } ، دليل على نقص من يأخذ أجراً على شيء من أفعال الشرع التي هي لازمة له ، كالصلاة .

ولما أمرهم باتباع المرسلين ، أخذ يبدي الدليل في اتباعهم وعبادة الله ، فأبرزه في صورة نصحه لنفسه ، وهو يريد نصحهم ليتلطف بهم ويراد بهم ؛