القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلََهٍ إِلاّ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ } :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لمشركي قومك : إنّمَا أنا مُنْذِرٌ لكم يا معشر قريش بين يدي عذاب شديد ، أنذركم عذاب الله وسخطه أن يحلّ بكم على كفركم به ، فاحذروه وبادروا حلوله بكم بالتوبة وَما مِنْ إلَهٍ إلاّ اللّهُ الوَاحِدُ القهّارُ يقول : وما من معبود تصلح له العبادة ، وتنبغي له الربوبية ، إلا الله الذي يدين له كلّ شيء ، ويعبدهُ كلّ خلق ، الواحد الذي لا ينبغي أن يكون له في ملكه شريك ، ولا ينبغي أن تكون له صاحبة ، القهار لكلّ ما دونه بقدرته ، ربّ السموات والأرض ، يقول : مالك السموات والأرض وما بينهما من الخلق يقول : فهذا الذي هذه صفته ، هو الإله الذي لا إله سواه ، لا الذي لا يملك شيئا ، ولا يضرّ ، ولا ينفع . وقوله : العَزِيرُ الغَفّارُ يقول : العزيز في نقمته من أهل الكفر به ، المدّعين معه إلها غيره ، الغفّار لذنوب من تاب منهم ومن غيرهم من كفره ومعاصيه ، فأناب إلى الإيمان به ، والطاعة له بالانتهاء إلى أمره ونهيه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قل إنما أنا منذر} رسول {وما من إله إلا الله الواحد} لا شريك له {القهار} لخلقه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قُلْ يا محمد لمشركي قومك:"إنّمَا أنا مُنْذِرٌ" لكم يا معشر قريش بين يدي عذاب شديد، أنذركم عذاب الله وسخطه أن يحلّ بكم على كفركم به، فاحذروه وبادروا حلوله بكم بالتوبة.
"وَما مِنْ إلَهٍ إلاّ اللّهُ الوَاحِدُ القهّارُ": وما من معبود تصلح له العبادة، وتنبغي له الربوبية، إلا الله الذي يدين له كلّ شيء، ويعبدهُ كلّ خلق.
الواحد الذي لا ينبغي أن يكون له في ملكه شريك، ولا ينبغي أن تكون له صاحبة. "القهار "لكلّ ما دونه بقدرته...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{قل إنما أنا منذر} ليس علي مما حملتم شيء، إنما ذلك عليكم، إنما علي الإنذار لكم فقط.
{وما من إله إلا الله الواحد القهار}...الذي تفرد، وتوحد بربوبيته وألوهيته، قهر الخلائق كلهم بقدرته...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ}: مخّوف...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم أمر نبيه أن يتجرد للكفار من جميع الأغراض، إلا أنه منذر لهم، وهذا توعد بليغ محرك للنفوس...
اعلم أنه تعالى لما حكى في أول السورة أن محمدا صلى الله عليه وسلم لما دعا الناس إلى أنه لا إله إلا الله واحد، وإلى أنه رسول مبين من عند الله، وإلى أن القول بالقيامة حق، فأولئك الكفار أظهروا السفاهة وقالوا إنه ساحر كذاب واستهزؤوا بقوله، ثم إنه تعالى ذكر قصص الأنبياء لوجهين:
الأول: ليصير ذلك حاملا لمحمد صلى الله عليه وسلم على التأسي بالأنبياء عليهم السلام في الصبر على سفاهة القوم.
والثاني: ليصير ذلك رادعا للكفار على الإصرار على الكفر والسفاهة وداعيا إلى قبول الإيمان.
ولما تمم الله تعالى ذلك الطريق أردفه بطريق آخر، وهو شرح نعيم أهل الثواب وشرح عقاب أهل العقاب، فلما تمم الله تعالى هذه البيانات عاد إلى تقرير المطالب المذكورة في أول السورة وهي تقرير التوحيد والنبوة والبعث، فقال قل يا محمد إنما أنا منذر ولا بد من الإقرار بأنه ما من إله إلا الله الواحد القهار، فإن الترتيب الصحيح أن تذكر شبهات الخصوم أولا ويجاب عنها، ثم نذكر عقيبها الدلائل الدالة على صحة المطلوب، فكذا ههنا أجاب الله تعالى عن شبهتهم ونبه على فساد كلماتهم، ثم ذكر عقيبه ما يدل على صحة هذه المطالب؛ لأن إزالة ما لا ينبغي مقدمة على إثبات ما ينبغي، ومن نظر في هذا الترتيب اعترف بأن الكلام من أول السورة إلى آخرها قد جاء على أحسن وجوه الترتيب والنظم.
{قل إنما أنا منذر} أبلغ أحوال عقاب من أنكر التوحيد والنبوة والمعاد، وأحوال ثواب من أقر بها...
{وما من إله إلا الله الواحد القهار} وفي هذه الكلمة إشارة إلى الدليل الدال على كونه منزها عن الشريك والنظير، وبيانه أن الذي يجعل شريكا له في الإلهية، إما أن يكون موجودا قادرا على الإطلاق على التصرف في العالم أو لا يكون كذلك، بل يكون جمادا عاجزا؛
والأول باطل لأنه لو كان شريكه قادرا على الإطلاق لم يكن هو قادرا قاهرا؛ لأن بتقدير أن يريد هو شيئا ويريد شريكه ضد ذلك الشيء لم يكن حصول أحد الأمرين أولى من الآخر، فيفضي إلى اندفاع كل واحد منهما بالآخر، وحينئذ لا يكون قادرا قاهرا بل كان عاجزا ضعيفا، والعاجز لا يصلح للإلهية، فقوله: {إلا الله الواحد القهار} إشارة إلى أن كونه قهارا يدل على كونه واحدا.
وأما الثاني: وهو أن يقال إن الذي جعل شريكا له، لا يقدر على شيء البتة مثل هذه الأوثان، فهذا أيضا فاسد؛ لأن صريح العقل يحكم بأن عبادة الإله القادر القاهر أولى من عبادة الجماد الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا فقوله: {وما من إله إلا الله الواحد القهار} يدل على هذه الدلائل.
واعلم أن كونه سبحانه قهارا مشعر بالترهيب والتخويف...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كانت قد جرت عادتهم عند التخويف أن يقولوا: عجل لنا هذا إن كنت صادقاً فيما ادعيت، ومن المقطوع به أنه لا يقدر على ذلك إلا الإله، فصاروا كأنهم نسبوه إلى أنه ادعى الإلهية، قال تعالى منبهاً على ذلك آمراً له بالجواب:
{إنما أنا منذر} أي مخوف لمن عصى، ولم أدّع أني إله، ليطلب مني ذلك؛ فإنه لا يقدر على مثله إلا الإله، فهو قصر قلب للموصوف على الصفة، وأفرد قاصراً للصفة في قوله: {وما} وأعرق في النفي بقوله: {من إله} أي معبود بحق لكونه محيطاً بصفات الكمال.
ولما كان السياق للتوحيد الذي هو أصل الدين، لفت القول عن مظهر العظمة إلى أعظم منه وأبين فقال: {إلا الله} وللإحاطة عبر بالاسم العلم الجامع لجميع الأسماء الحسنى، ولو شاركه شيء لم يكن محيطاً، وللتفرد قال مبرهناً على ذلك: {الواحد} أي بكل اعتبار فلا يمكن أن يكون له جزء، أو يكون له شبيه محتاجاً مكافئاً.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
أنذرتكم عذاب الله تعالى للمشركين، والكلام رد لقولهم هذا ساحر كذاب فإن الإنذار ينافي السحر والكذب، وقد يقال: المراد إنما أنا رسول منذر لا ساحر كذاب، وفيه من الحسن ما فيه فإن كل واحد من وصفي الرسالة والإنذار ينافي كل واحد من وصفي السحر والكذب لكن منافاة الرسالة للسحر أظهر وبينهما طباق فكذلك الإنذار للكذب...