نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ مُنذِرٞۖ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (65)

لما كانت قد جرت عادتهم عند التخويف أن يقولوا : عجل لنا هذا إن كنت صادقاً فيما ادعيت ، ومن المقطوع به أنه لا يقدر على ذلك إلا الإله فصاروا كأنهم نسبوه إلى أنه ادعى الإلهية ، قال تعالى منبهاً على ذلك آمراً له بالجواب : { قل } أي لمن يقول لك ذلك : { إنما أنا منذر } أي مخوف لمن عصى ، ولم أدّع أني إله ، ليطلب مني ذلك فإنه لا يقدر على مثله إلا الإله ، فهو قصر قلب للموصوف على الصفة ، وأفرد قاصراً للصفة في قوله : { وما } وأعرق في النفي بقوله : { من إله } أي معبود بحق لكونه محيطاً بصفات الكمال . ولما كان السياق للتوحيد الذي هو أصل الدين ، لفت القول عن مظهر العظمة إلى أعظم منه وأبين فقال : { إلا الله } وللإحاطة عبر بالاسم العلم الجامع لجميع الأسماء الحسنى ولو شاركه شيء لم يكن محيطاً وللتفرد قال مبرهناً على ذلك : { الواحد } أي بكل اعتبار فلا يمكن أن يكون له جزء أو يكون له شبيه محتاجاً مكافئاً { القهار * } أي الذي يقهر غيره على ما يريد ، وهذا برهان على أنه الإله وحده وأن آلهتهم بعيدة عن استحقاق الإلهية لتعددها وتكافئها بالمشابهة واحتياجها .