معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (141)

قوله تعالى : { وليمحص الله الذين آمنوا } . أي يطهرهم من الذنوب .

قوله تعالى : { ويمحق الكافرين } . يفنيهم ويهلكهم ، معناه أنهم إن قتلوكم فهو تطهير لكم وإن قتلتموهم فهو محقهم واستئصالهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (141)

121

ثم يمضي السياق القرآني يكشف عن الحكمة الكامنة وراء الأحداث ، في تربية الأمة المسلمة وتمحيصها وإعدادها لدورها الأعلى ، ولتكون أداة من أدوات قدره في محق الكافرين ، وستارا لقدرته في هلاك المكذبين :

( وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ) . .

والتمحيص درجة بعد الفرز والتمييز . التمحيص عملية تتم في داخل النفس ، وفي مكنون الضمير . . إنها عملية كشف لمكنونات الشخصية ، وتسليط الضوء على هذه المكنونات . تمهيدا لإخراج الدخل والدغل والأوشاب ، وتركها نقية واضحة مستقرة على الحق ، بلا غبش ولا ضباب . .

وكثيرا ما يجهل الإنسان نفسه ، ومخابئها ودروبها ومنحنياتها . وكثيرا ما يجهل حقيقة ضعفها وقوتها ، وحقيقة ما استكن فيها من رواسب ، لا تظهر إلا بمثير !

وفي هذا التمحيص الذي يتولاه الله - سبحانه - بمداولة الأيام بين الناس بين الشدة والرخاء ، يعلم المؤمنون من أنفسهم ما لم يكونوا يعلمونه قبل هذا المحك المرير : محك الأحداث والتجارب والمواقف العملية الواقعية .

ولقد يظن الإنسان في نفسه القدرة والشجاعة والتجرد والخلاص من الشح والحرص . . ثم إذا هو يكشف - على ضوء التجربة العملية ، وفي مواجهة الأحداث الواقعية - إن في نفسه عقابيل لم تمحص . وأنه لم يتهيأ لمثل هذا المستوى من الضغوط ! ومن الخير أن يعلم هذا من نفسه ، ليعاود المحاولة في سبكها من جديد ، على مستوى الضغوط التي تقتضيها طبيعة هذه الدعوة ، وعلى مستوى التكاليف التي تقتضيها هذه العقيدة !

والله - سبحانه - كان يربي هذه الجماعة المختارة لقيادة البشرية ، وكان يريد بها أمرا في هذه الأرض . فمحصها هذا التمحيص ، الذي تكشفت عنه الأحداث في أحد ، لترتفع إلى مستوى الدور المقدر لها ، وليتحقق على يديها قدر الله الذي ناطه بها :

( ويمحق الكافرين ) . .

تحقيقا لسنته في دمغ الباطل بالحق متى استعلن الحق ، وخلص من الشوائب بالتمحيص . .

/خ179

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (141)

{ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا } أي : يكفر عنهم من ذنوبهم ، إن كان لهم ذنوب وإلا رُفعَ لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به ، وقوله : { وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ } أي : فإنهم إذا ظفروا بَغَوا وبَطروا فيكون ذلك سَبَبَ دمارهم وهلاكهم ومَحْقهم وفنائهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (141)

ثم أخبر تعالى : أن إدالته الكفار على المؤمنين إنما هي { ليمحص } المؤمنين ، وأن إدالة المؤمنين على الكفار إنما هي لمحق الكفار ، هذا مقتضى ألفاظ الآية ، وقد قال ابن عباس وغيره : جعل الله الدولة لرسوله يوم بدر ، وعليه يوم أحد وذهب كثير من أهل العلم إلى العبارة عن إدالة المؤمنين بالنصر ، وعن إدالة الكفار بالإدالة ، وروي في ذلك عن النبي عليه السلام حديث : إنهم يدالون كما تنصرون ، و «التمحيص » : التنقية . قال الخليل : التمحيص من العيب يقال : محص الحبل إذا زال عنه بكثرة مره على اليد زئبره وامّلس هكذا ساق الزجّاج اللفظة «الحبل » ورواها النقاش محص الجمل : إذا زال عنه وبره وامّلس ، وقال حنيف الحناتم ، وقد ورد ماء يقال له طويلع{[3570]} : إنك لمحص الرشاء ، بعيد المستقى ، مطل على الأعداء ، فالمعنى : إنه لبعده يلمس حبله بالطين الحر ومد الأيدي ، فمعنى الآية : أن الله يمحص المؤمنين إذا أدال عليهم ، بأنه ينقي المتشهدين من ذنوبهم ، وينقي الأحياء من منافقهم إذ يميزهم ، وأنه { يمحق الكافرين } إذا نصر عليهم أي ينقصهم والمحق : الذهاب شيئاً شيئاً ، ومنه محاق القمر .


[3570]:- حنيف الحناتم رجل من بني تيم اللات، وأحد بني حنتم، ابن عدي بن الحارث بن تيم اللات من ثعلبة- وفي المثال: "آبل من حنيف الحناتم". ومن كلام حنيف الدال على إبالته قوله: "من قاظ الشرف، وتربّع الحزن، وتشتى الصمان فقد أصاب المرعى" (مجمع الأمثال 1/86) والتاج على القاموس في مادة (أبل) وإبالة الرجل: حسن رعايته للإبل، وأبلت الإبل: استغنت عن الماء بالكلأ الرطب. وطويلع: ماء لبني تيم ثم لبني يربوع منهم، قال أبو منصور: هو ركية عادية بالشواجن عذبة الماء قريبة الرشاء. قال السكوني: قال شيخ من الأعراب لآخر: فهل وجدت طويلعا، أما والله إنه لطويل الرشاء، بعيد العشاء، مشرف على الأعداء. (معجم البلدان 6/ 73).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (141)

التَّمحيص : التنقية والتخليص من العيوب .

والمحق : الإهلاك . وقد جعل الله تعالى مسّ القرح المؤمنين والكفار فاعلاً فِعلاً واحداً : هو فضيلة في جانب المؤمنين ، ورزّية في جانب الكافرين ، فجعله للمؤمنين تمحيصاً وزيادة في تزكية أنفسهم ، واعتباراً بمواعظ الله تعالى ، وجعله للكافرين هلاكاً ، لأنّ ما أصابهم في بدر تناسوه ، وما انتصروه في أحُد يزيدهم ثقة بأنفسهم فيتواكلون ؛ يظنون المسلمين قد ذهب بأسهم ، على أنّ المؤمنين في ازدياد ، فلا ينقصهم من قُتل منهم ، والكفّار في تناقض فمن ذهب منهم نفد . وكذلك شأن المواعظ والنذر والعبر قد تكسب بعض النُّفوس كمالاً وبَعْضها نقصاً قال أبو الطيب :

فحُبّ الجبان العيش أورده التُّقى *** وحبّ الشجاع العيش أورده الحربا

ويختلف القصدَان والفعل واحد *** إلى أن نَرى إحسانَ هذا لنا ذنبــا

وقال تعالى : { وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [ التوبة : 124 ، 125 ] ، وقال : { وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً } [ الإسراء : 82 ] وهذا من بديع تقدير الله تعالى .