البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (141)

المحص كالفحص ، لكن الفحص يقال في إبراز الشيء عن خلال أشياء منفصلة عنه .

والمحص عن إبرازه عن أشياء متصلة به .

قال الخليل : التمحيص التخليص عن العيوب ، ويقال : محص الحبل إذا زال عنه بكثرة مره على اليد زبيره وأملس ، هكذا ساق الزجاج اللفظة الحبل .

ورواها النقاش : محص الجمل إذا زال عنه وبره وأملس .

وقال حنيف الحناتم : وقد ورد ماء اسمه طويلع ، إنك لمحص الرشاء ، بعيد المستقى ، مطل على الأعداء .

المعنى : أنه لبعده يملس حبله بمر الأيدي .

{ وليمحص الله الذين آمنوا } أي يطهرهم من الذنوب ، ويخلصهم من العيوب ، ويصفيهم .

قال ابن عباس والحسن ومجاهد والسدي ومقاتل وابن قتيبة في آخرين : التمحيص الابتلاء والاختبار .

قال الشاعر :

رأيت فضيلاً كان شيئاً ملففا *** فكشفه التمحيص حتى بداليا

وقال الزجاج : التنقية والتخليص ، وذكره عن : المبرد ، وعن الخليل .

وقيل : التطهير .

وقال الفراء : هو على حذف مضاف ، أي وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا .

{ ويمحق الكافرين } أي يهلكهم شيئاً فشيئاً .

والمعنى : أن الدولة إن كانت للكافرين على المؤمنين كانت سبباً لتمييز المؤمن من غيره ، وسبباً لاستشهاد من قتل منهم ، وسبباً لتطهير المؤمن من الذنب .

فقد جمعت فوائد كثيرة للمؤمنين ، وإن كان النصر للمؤمنين على الكافرين كان سبباً لمحقهم بالكلية واستئصالهم قاله : ابن عباس .

وقال ابن عباس أيضاً : ينقصهم ويقللهم ، وقاله : الفراء .

وقال مقاتل : يذهب دعوتهم .

وقيل : يحبط أعمالهم ، ذكره الزجاج ، فيكون على حذف مضاف .

والظاهر أن المراد بالكافرين هنا طائفة مخصوصة ، وهم الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لأنه تعالى لم يمحق كل كافر ، بل كثير منهم باق على كفره .

فلفظة الكافرين عام أريد به الخصوص .

قيل : وقابل تمحيص المؤمن بمحق الكافر ، لأن التمحيص إهلاك الذنوب ، والمحق إهلاك النفوس ، وهي مقابلة لطيفة في المعنى انتهى .

وفي ذكر ما يلحق المؤمن عند إدالة الكفار تسلية لهم وتبشير بهذه الفوائد الجليلة ، وأن تلك الإدالة لم تكن لهوانٍ بهم ، ولا تحط من أقدارهم ، بل لما ذكر تعالى .

/خ141