قوله : { وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ } التمحيص : التخليص من الشيء .
وقيل : المَحْص كالفَحْص ، لكن الفَحْص يقال في إبراز الشيء من أثناء ما يختلط به وهو منفصل ، والمَحْص : يقال في إبرازه عما هو متصل به ، يقال : مَحَصْتُ الذهب ، ومحَّصته - إذا أزلْت عنه ما يشوبه من خَبَث ، ومَحَص الثوب : إذا زال عنه زئبره ومَحَصَ الحَبْل - إذا أخلق حتى ذهب عنه زئبره ، ومحص الظَّبْيُ : عدا . ف " محص " - بالتخفيف - يكون قاصراً ومتعدياً ، هكذا روى الزجاج هذه اللفظةَ - الحبل - ورواها النقاش : مَحَص الجمل - إذا ذهب وَبَرُه وامَّلَسَ - والمعنيان واضحان .
وقال الخليل : التمحيص : التخليصُ من الشيء المعيب .
وقيل : هو الابتلاء والاختبار .
رَأيْتُ فُضَيْلاً كَانَ شَيْئاً مُلَفَّفاً *** فَكَشَّفَهُ التَّمْحِيصُ حَتَّى بَدَا لِيَا{[5992]}
وروى الواحِديُّ عن المبرد بسند متصل : مَحَصَ الحبلُ يمحص مَحْصاً - إذا ذهب زئبره حتى يتملص ، وحبل محيص ومليص بمعنًى واحدٍ ، قال : ويستحب في الفرس أن تُمَحَّصَ قوائمُه أي : تُخَلَّص من الرَّهَل .
[ وأنشد ابن الأنباريّ على ذلك ] {[5993]} - يصف فرساً - : [ البسيط ]
صُمُّ النُّسُورِ ، صِحَاحٌ ، غَيْرُ عَاثِرَةٍ *** رُكِّبْنَ فِي مَحِصَاتٍ مُلْتَقَى العَصَبِ{[5994]}
أي : في قوائم متجرِّدات من اللحم ، ليس فيها إلا العظم والجلد .
قال المبرد : ومعنى قول الناس مَحِّصْ عنا ذُنوبَنَا : أذهِب عنا ما تعلَّق من الذنوب .
قال الواحديُّ : " وهذا - الذي قاله المبردُ - تأويل المحَص - بفتح الحاء - وهو واقع ، والمَحْص - بسكون الحاء - " مصنوع " - وقال الخليل : يقال : مَحَصْت الشيء أمحصه مَحْصاً - إذا أخلصته من كل عيب " .
وفي جعله محْصاً - بتسكين الحاء - مصنوعاً نظر ؛ لأن أهل اللغة نقلوه ساكنها ، وهو قياس مصدر الثلاثي . ومَحَصْت السيف والسنان : جَلَوتُهما حتى ذهب صدأهما .
قال أسامة الهذليّ : [ الطويل ]
وَشَقُّوا بِمَمْحُوصِ السِّفَانِ فُؤادَهُ *** لَهُمْ قُتُرَاتٌ قَدْ بُنِيْنَ مَحَاتِد{[5995]}
أي : بمجلُوٍّ ، ومنه استُعِير ذلك في وَصْف الحبل بالملاسة والبريق .
شَدِيدُ جَلْزِ الصُّلْبِ مَمْحُوصُ الشَّوَى *** كَالْكَرِّ ، لا شَخْتٌ وَلاَ فِيهِ لَوَى{[5996]}
والشوى : الظهر ، قَصَره ضرورةً ، سُمِع : فعلتُه حتى انقطع شَوَاي ، أي : ظَهْري . والمحق - في اللغة - النقصان .
وقال المفضَّل : هو أن يذهب الشيءُ كلُّه ، حتَّى لا يُرَى منه شيء ، ومنه قوله تعالى : { يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا } [ البقرة : 276 ] أي : يستأصله ، وقد تقدم الكلام عليه في البقرة .
قال الزجاج : معنى الآية : أن الله تعالى جعل الأيام مداولةً بين المسلمين والكافرين ، فإن حصلت الغلبة للكافرين كان المراد : تمحيص ذنوب المؤمنين - أي : تطهيرها - وإن كانت الغلبة للمؤمنين كان المراد : مَحْق آثار الكافرين ، ومَحْوَهم ، فقابل تمحيص المؤمنين بمحق الكافرين ؛ لأن تمحيص هؤلاء بإهلاك ذنوبهم نظير مَحْق أولئك بإهلاك نفوسهم ، وهذه مقابلة لطيفة ، والأقرب أن المراد بالكافرين - هنا - طائفة مخصوصة منهم - وهم الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد ، لأن الله تعالى لم يَمْحَق كل الكافرين ، بل بَقِي كثير منهم على كُفره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.