( وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا )أي تقرر أمرهم وانتهى إلى أن يكونوا حطبا لجهنم ، تتلظى بهم وتزداد اشتعالا ، كما تتلظى النار بالحطب . .
ودل هذا على أن الجن يعذبون بالنار . ومفهومه أنهم كذلك ينعمون بالجنة . . هكذا يوحي النص القرآني . وهو الذي نستمد منه تصورنا . فليس لقائل بعد هذا أن يقول شيئا يستند فيه إلى تصور غير قرآني ، عن طبيعة الجن وطبيعة النار أو طبيعة الجنة . . فسيكون ما قاله الله حقا بلا جدال !
وما ينطبق على الجن مما بينوه لقومهم ، ينطبق على الإنس وقد قاله لهم الوحي بلسان نبيهم . .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل النفر من الجن : وأنّا مِنّا المُسْلِمُون الذين قد خضعوا لله بالطاعة وَمِنّا القاسِطُونَ وهم الجائرون عن الإسلام وقصد السبيل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وأنّا مِنّا المُسْلِمُونَ وَمِنّا القاسِطُونَ قال : العادلون عن الحقّ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : القاسِطُونَ قال : الظالمون .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : القاسِطُونَ الجائرون .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : القاسِطُونَ قال : الجائرون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : المقسط : العادل ، والقاسط : الجائر وذكر بيت شعر :
قَسَطْنا على الأمْلاكِ فِي عَهْدِ تُبّعٍوَمِنْ قَبْل ما أدْرَي النّفوسَ عِقابَها
وقال : وهذا مثل الترب والمترب قال : والترب : المسكين ، وقرأ : أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَة قال : والمترب : الغنيّ .
وقوله : فَمَنْ أسْلَمَ فأُولَئِكَ تَحَرّوْا رَشَدا يقول : فمن أسلم وخضع لله بالطاعة ، فأولئك تعمدوا وترجّوا رشدا في دينهم . وأما القاسطون يقول : الجائرون عن الإسلام ، فكانُوا لِجَهَنّمَ حَطَبا توقد بهم .
والقاسط : اسم فاعل قسط من باب ضَرب قَسْطاً بفتح القاف وقسوطاً بضمها ، أي جار فهو كالظلم يراد به ظلم المرء نفسه بالإِشراك . وفي « الكشاف » : أن الحجاج قال لسعيد بن جبير حين أراد قتله ما تقول فيَّ ؟ قال : قَاسط عَادِل ، فقال القومُ : مَا أحسَنَ ما قالَ حسبوا أنه وصفه بالقِسط ( بكسر القاف ) والعدل ، فقال الحجاج : يا جَهلة إنه سمّاني ظالماً مشركاً وتلا لهم قوله تعالى : { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً } وقولَه تعالى : { ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون } [ الأنعام : 1 ] اه .
وشبه حلول الكافرين في جهنم بحلول الحطب في النار على طريقة التمليح والتحقير ، أي هم لجهلهم كالحطب الذي لا يعقل كقوله تعالى : { فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة } [ البقرة : 24 ] .
وإقحام فعل ( كانوا ) لتحقيق مصيرهم إلى النّار حتى كأنهم كانوا كذلك من زمن مضى .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وأما القاسطون} يعني العادلين بالله {فكانوا لجهنم حطبا} يعني وقودا فهذا كله قول مؤمني الجن.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وأما القاسطون": الجائرون عن الإسلام، "فكانُوا لِجَهَنّمَ حَطَبا "توقد بهم.
ثم إن الجن ذموا الكافرين فقالوا: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}... لم ذكر عقاب القاسطين ولم يذكر ثواب المسلمين؟
الجواب: بل ذكر ثواب المؤمنين وهو قوله تعالى: {تحروا رشدا} أي توخوا رشدا عظيما لا يبلغ كنهه إلا الله تعالى، ومثل هذا لا يتحقق إلا في الثواب.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما عرفوا بالأمن الاعتصام بطاعة الله، نبهوا على خطر التعرض لبطشه فقالوا: {وأما القاسطون} أي العريقون في صفة الجور عن الصواب من الجن وغيرهم فأولئك أهملوا أنفسهم فلم يتحروا لها فضلوا فأبعدوا عن المنهج فوقعوا في المهالك التي لا منجى منها: {فكانوا} بجبلاتهم {لجهنم} أي النار البعيدة القعر التي تلقاهم بالتجهم والكراهة والعبوسة {حطباً} توقد بهم النار فهي في اتقاد ما داموا أحياء، وهم أحياء ما دامت تتقد لا يموتون فيستريحون ولا يحيون فينتعشون...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) أي تقرر أمرهم وانتهى إلى أن يكونوا حطبا لجهنم، تتلظى بهم وتزداد اشتعالا، كما تتلظى النار بالحطب.. ودل هذا على أن الجن يعذبون بالنار. ومفهومه أنهم كذلك ينعمون بالجنة.. هكذا يوحي النص القرآني. وهو الذي نستمد منه تصورنا. فليس لقائل بعد هذا أن يقول شيئا يستند فيه إلى تصور غير قرآني، عن طبيعة الجن وطبيعة النار أو طبيعة الجنة.. فسيكون ما قاله الله حقا بلا جدال! وما ينطبق على الجن مما بينوه لقومهم، ينطبق على الإنس وقد قاله لهم الوحي بلسان نبيهم..
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الملاحظ في الآيات أن كلمة «المسلم» جاءت مقابل كلمة «الظالم»، وإشارة إلى أن ما يقي الإنسان من الظلم هو الإيمان، وإذا لم يكن الفرد مؤمناً فإنّه سوف يظلم بأي شكل من الأشكال، وكذا تشير إلى أنّ المؤمن الحقيقي هو المؤمن الذي لا يظلم، كما في حديث النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».
والتعبير ب (تحروا رشداً) يشير إلى أنّ المؤمنين إنّما يتوجهون إلى الهدى بالتحقيق والتوجه الصادق، وليس بالغفلة والإغماض، وجزاءهم الأوفى هو نيلهم الحقائق التي بظلها ينالون النعم الإلهية، والظالمون هم في أسوأ حال، حيث إنّهم حطب لجهنم، أي أنّ النار تلتهب في أعماق وجودهم.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.