السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَمَّا ٱلۡقَٰسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَبٗا} (15)

{ وأما القاسطون } أي : العريقون في صفة الجور عن الصواب من الإنس والجن ، فأولئك أهملوا أنفسهم فلم يتحرّوا لها فضلوا فأبعدوا عن الطريق القويم فوقعوا في المهالك التي لا منجى منها . { فكانوا لجهنم } أي : النار البعيدة القعر التي تلقاهم بالتجهم والكراهة والعبوسة { حطباً } أي : توقد بهم النار فهي في اتقاد ما داموا أحياء ، مادامت تتقدّ لا يموتون فيستريحون ولا يحيون فينتعشون .

تنبيه : قوله تعالى : { فكانوا } ، أي : في علم الله عز وجلّ . فإن قيل : لم ذكروا عقاب القاسطين ولم يذكروا ثواب المسلمين ؟ أجيب : بأنهم في مقام الترهيب فذكروا ما يحذر وطووا ما يحب للعلم به لأنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً بل لا بد أن يزيد عليه تسعة أضعافه وعنده المزيد أو أنهم ذكروه بقولهم { تحرّوا رشداً } أي : تحرّوا رشداً عظيماً لا يعلم كنهه إلا الله تعالى ، ومثل هذا لا يتحقق إلا في الثواب .

فإن قيل : إنّ الجنّ مخلوقون من النار فكيف يكونون حطباً للنار ؟ أجيب : بأنهم وإن خلقوا منها لكنهم يغيرون عن تلك الكيفية فيصيرون لحماً ودماً هكذا قيل وهذا آخر كلام الجن .