اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَمَّا ٱلۡقَٰسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَبٗا} (15)

قوله : { فَمَنْ أَسْلَمَ فأولئك تَحَرَّوْاْ رَشَداً } .

أي : قصدوا طريق الحقِّ ، وتوخوه ، وطلبوه باجتهاد ، ومنه التحري في الشيء .

قال الراغبُ : «حرى الشيء يحري ، أي : قصد حراه ، أي : جانبه ، وتحراه كذلك ، وحَرَى الشيء يَحْرِي ، نقص ، كأنَّه لزم حراه ، ولم يمتد ؛ قال الشاعر : [ الكامل ]

4909 - . . . *** والمَرْءُ بَعْدَ تمامهِ يَحْرِي{[58159]}

ويقال : رماه الله بأفعى حارية ، أي : شديدة » انتهى .

وكأن أصله من قولهم : هو حريٌّ بكذا ، أي حقيق به . و «رَشَداً » مفعول به .

والعامة قرأوا : «رشداً » - بفتحتين - والأعرج : بضمة وسكون .

قوله : { وَأَمَّا القاسطون } . أي : الجائرون عن طريق الحق والإيمان { فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } أي : وقوداً ، وقوله «فَكانُوا » أي : في علم الله تبارك وتعالى .

فإن قيل : ذكر عقاب القاسطين ولم يذكر ثواب المسلمين .

فالجواب{[58160]} : بل ذكر ثواب المؤمنين بقوله { تَحَرَّوْاْ رَشَداً } أي : تَحرَّوا رشداً عَظِيماً لا يعلم كنهه إلاَّ الله تعالى ، ومثل هذا لا يتحقق إلا بالثَّواب .

فإن قيل : فإنَّ الجنَّ مخلوقون من النَّار ، فكيف يكونون حطباً للنار ؟ .

فالجواب : أنّهم وإن خلقوا من النار لكنهم تغيروا عن تلك الكيفية فيصيرون لحماً ، ودماً هكذا قيل .

وهذا آخر كلام الجن .


[58159]:ينظر مفردات الراغب 165، والدر المصون 6/394.
[58160]:ينظر: الفخر الرازي 30/142.