خلت منهم الدور ، كأن لم يكن لهم فيها دور ، وكأن لم يعمروها حينا من الدهر . مضوا مثلهم مشيعين باللعنة ، طويت صفحتهم في الوجود وصفحتهم في القلوب :
( ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا ، وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ، كأن لم يغنوا فيها . ألا بعدا لمدين ، كما بعدت ثمود . )
وطويت صفحة أخرى من الصفحات السود ، حق فيها الوعيد على من كذبوا بالوعيد .
القول في تأويل قوله تعالى : { كَأَن لّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ } .
يقول تعالى ذكره : كأن لم يعش قوم شعيب الذين أهلكهم الله بعذابه ، حين أصبحوا جاثمين في ديارهم ، قبل ذلك . و{ لم يغنوا } ، من قولهم : غنيت بمكان كذا : إذا أقمت به ، ومنه قول النابغة :
غَنِيَتْ بذلكَ إذْ هُمُ لي جِيرَةٌ *** مِنْها بعَطْفِ رِسالَةٍ وتَوَدّدِ
وكما حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها } ، قال : يقول : كأن لم يعيشوا فيها .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة مثله .
وقوله : { ألا بُعْدا لِمَدْيَنَ كمَا بَعِدَتْ ثُمودُ } ، يقول تعالى ذكره : ألا أبعد الله مدين من رحمته بإحلال نقمته ، { كما بعدت ثمود } ، يقول : كما بعدت من قبلهم ثمود من رحمته بإنزال سخطه بهم .
وقوله تعالى : { كان لم يغنوا فيها } الآية ، الضمير في قوله : { فيها } عائد على «الديار » ، و { يغنوا } معناه : يقيمون بنعمة وخفض عيش ، ومنه المغاني وهي المنازل المعمورة بالأهل ، وقوله : { ألا } تنبيه للسامع ، وقوله : { بعداً } مصدر ، دعا به ، وهذا كما تقول : سقياً لك ورعياً لك وسحقاً للكافر ونحو هذا ، وفارقت هذه قولهم : سلام عليك ، لأن هذا كأنه إخبار عن شيء قد وجب وتحصل ، وتلك إنما هي دعاء مترجى : ومعنى «البعد » - في قراءة من قرأ «بعِدت » بكسر العين - الهلاك - وهي قراءة الجمهور ومنه قول خرنق بنت هفان : [ الكامل ]
لا يبعدنْ قومي الذين همُ*** سُمُّ العداةِ وآفة الجزرِ{[6487]}
ومنه قول مالك بن الريب : [ الطويل ]
يقولون لا تبعد وهم يدفنونني*** وأين مكان البعد إلا مكانيا{[6488]}
وأما من قرأ «بعدت » وهو السلمي وأبو حيوة - فهو من البعد الذي ضده القرب ، ولا يدعى به إلا على مبغوض{[6489]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.