الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّمَدۡيَنَ كَمَا بَعِدَتۡ ثَمُودُ} (95)

وقوله سبحانه : { كَأَن لَّمْ يَغْنَوا فِيهَا } [ هود : 95 ] .

{ يَغْنَوا } : معناه : يقيمون بِنَعْمَةٍ وخَفْضِ عيشٍ ؛ ومنه المَغَانِي ، وهي المنازلُ المعمورةِ بالأهْل ، وضمير «فيها » عائد على الديار .

وقوله : { بُعْدًا } : مصدرٌ دعا به ؛ كقولك : سُحْقاً للكافرين ، وفارَقَتْ هذه قولَهُمْ : { سلام عَلَيْكُمُ } [ النحل : 32 ] ؛ لأن { بُعْدًا } إِخبارٌ عن شيء قد وَجَب وتحصَّل ، وتلك إِنما هي دعاء مرتجى ، ومعنى البُعْد في قراءة : «بَعِدَتْ » بكسر العين : الهلاكُ ، وهي قراءة الجمهور ؛ ومنه قول خِرْنِقَ بِنْتِ هَفَّانَ : [ الكامل ]

لاَ يَبْعَدَنْ قَوْمِي الَّذِينَ هُمُ *** سُمُّ الْعُدَاةِ وآفَةُ الجُزْرِ

ومنه قولُ مالكِ بْنِ الرَّبيعِ : [ الطويل ]

يَقُولُونَ لاَ تَبْعَدْ وَهُمْ يَدْفِنُوننِي *** وَأَيْنَ مَكَانُ الْبُعْدِ إِلاَّ مَكَانِيَا

وأما من قرأ : «بَعُدَتْ » ، وهو السُّلَمِيُّ وأبو حَيْوَةَ فهو من البُعْدِ الذي هو ضدُّ القُرْب ، ولا يُدْعَى به إِلا على مبغوضٍ .

قال ( ص ) : وقال ابْنُ الأنباريِّ : من العرب مَنْ يُسَوِّي بين الهلاكِ والبُعْدِ الَّذي هو ضِدُّ القُرْب ، فيقولون فيهما : بَعُدَ يَبْعُدُ ، وبَعِدَ يَبْعَدُ . انتهى .