البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّمَدۡيَنَ كَمَا بَعِدَتۡ ثَمُودُ} (95)

وقرأ السلمي وأبو حيوة : كما بعدت بضم العين من البعد الذي هو ضد القرب ، والجمهور بكسرها ، أرادت العرب التفرقة بين البعد من جهة الهلاك ، وبين غيره ، فغيروا البناء وقراءة السلمي جاءت على الأصل اعتبار المعنى البعد من غير تخصيص كما يقال : ذهب فلان ، ومضى في معنى القرب .

وقيل : معناه بعد الهم من رحمة الله كما بعدت ثمود منها .

وقال ابن قتيبة : بعد يبعد إذا كان بعده هلكة ، وبعد يبعد إذ أتاني .

وقال النحاس : المعروف في اللغة بعد يبعد بعداً وبعداً إذا هلك .

وقال المهدوي : بعد يستعمل في الخير والشر ، وبعد في الشر خاصة .

وقال ابن الأنباري : من العرب من يسوي بين الهلاك والبعد الذي هو ضد القرب ، فيقول فيهما بعد يبعد ، وبعد يبعد .

وقال مالك بن الريب : في بعد بمعنى هلك :

يقولون لا تبعدوهم يدفنونني *** وأين مكان البعد إلا مكانيا

وبعد الفلان دعاء عليه ، ولا يدعى به إلا على مبغض كقولك : سحقاً للكافرين .

وقال أهل علم البيان : لم يرد في القرآن استطراد إلا هذا الموضع ، والاستطراد قالوا : هو أن تمدح شيئاً أو تذمه ، ثم تأتي في آخر الكلام بشيء هو غرضك في أوله .

قال حسان :

إن كنت كاذبة الذي حدثتني *** فنجوت منجى الحرث بن هشام

ترك الأحبة أن يقاتل دونهم *** ونجا برأس طمرة ولجام