اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّمَدۡيَنَ كَمَا بَعِدَتۡ ثَمُودُ} (95)

قوله : { كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ } العامَّةُ : على كسر العين من " بَعِدَ يَبْعَد " بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع بمعنى هلك ؛ قال : [ الطويل ]

يقُولُون لا تَبعَدوَهُم يَدْفنُونهُ *** ولا بُعْدَ إلاَّ ما تُواري الصَّفَائِحُ{[18965]}

أرادت العربُ أن تفرقَ بين المعنيين بتغيير فقالوا : " بَعْد " بالضمِّ ضد القرب ، و " بَعِد " بالكسر ضد السَّلامة ، والمصدرُ البَعَدُ بالفتح في العين .

وقرأ السُّلمي وأبو حيوة " بَعْدت " {[18966]} بالضم أخذه من ضدِّ القرب ؛ لأنَّهُم إذا هلكوا فقد بعدوا ، ومن هذا قولُ الشَّاعر : [ الكامل ]

مَنْ كَانَ بَيْنَكَ في التُّرابِ وبَيْنَهُ *** شِبْرانِ فهُوَ بغايةِ البُعْدِ{[18967]}

وقال النَّحَّاسُ{[18968]} : المعروفُ في اللغةِ : بَعِدَ يَبْعَد بَعَداً وبُعْداً ، وإذا هلك ، وبَعْد يَبْعُدُ في ضدِّ القُرْب .

وقال ابنُ قتيبة : بَعِدَ يَبْعد إذا كان بعده هلكة ، وبَعُد يَبعُد إذا نأى فهو موافقٌ للنحاس .

وقال المهدوي : " بَعُد " يستعمل في الخَيْرِ والشّر ، و " بَعِد " في الشرِّ خاصة .

وقال ابنُ الأنباري : مِنَ العرب مَنْ يُسَوِّي بين الهلاكِ والبُعْدِ والذي هو ضدُّ القرب ، فيقولُ فيهما : بَعُدَ يَبْعدُ ، وبَعِدَ يَبْعَدُ ؛ وأنشدوا قول مالكٍ : [ الطويل ]

يقُولُونَ لا تَبْعَدْ وهُمْ يَدْفِنُونِني *** وأيْنَ مَكَانَ البُعْدِ إلاَّ مَكَانِيَا{[18969]}

قيل : يروى " لا تَبْعُدْ " بالوجهين .

وفي هذه الآية نوعٌ من علم البيان يسمَّى الاستطراد ، وهو أن تمدحَ شيئاً أوتذُمَّه ، ثم تأتي آخر الكلام بشيءٍ هو غرضكَ في أوَّلِه ، قالوا : ولم يَأتِ في القرآن غيره ، وأنشدوا في ذلك قول حسان : [ الكامل ]

إنْ كُنْتِ كاذِبَة الذي حَدَّثْتِنِي *** فَنَجَوْتِ مَنْجى الحَارِثِ بن هشام

تَرَك الأحِبَّةَ أن يَقاتِلَ دونَهُمْ *** ونَجَا بِرَأسِ طِمِرَّة ولِجَامِ{[18970]}


[18965]:تقدم.
[18966]:ينظر: الكشاف 2/425 والمحرر الوجيز 3/425 والمحرر الوجيز 3/204 والبحر المحيط 5/257 والدر المصون 4/127.
[18967]:ينظر البيت في حاشية الشهاب على البيضاوي 5/132 وروح المعاني 12/129 والدر المصون 4/127.
[18968]:ينظر: إعراب القرآن 2/109.
[18969]:ينظر البيت في أمالي القالي 3/137 والبحر المحيط 5/258 والمغني 1/247 واللسان "بعد" وروح المعاني 12/29 والدر المصون 4/127.
[18970]:ينظر البيتان في ديوانه (214) والأغاني 4/169 والبحر المحيط 5/258 وروح المعاني 12/130 وعيون الأخبار 1/169 والدر المصون 4/127.