( ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ، ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين . ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون . فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون . وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون ) . .
فها هي ذي الساعة التي يغفل عنها الغافلون ، ويكذب بها المكذبون . ها هي ذي تجيء ، أو ها هي ذي تقوم ! وهؤلاء هم المجرمون حائرين يائسين ، لا أمل لهم في نجاة ، ولا رجاء لهم في خلاص .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ * وَلَمْ يَكُن لّهُمْ مّن شُرَكَآئِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره : ويوم تجِيء الساعة التي فيها يفصل الله بين خلقه ، وينشر فيها الموتى من قبورهم ، فيحشرهم إلى موقف الحساب يُبْلِسُ المُجْرِمُونَ يقول : ييأس الذين أشركوا بالله ، واكتسبوا في الدنيا مساوىء الأعمال من كلّ شرّ ، ويكتئبون ويتندمون ، كما قال العجاج :
يا صَاحِ هلْ تعْرِفُ رَسما مُكْرَسا *** قالَ نَعَمْ أعْرِفُهُ وأبْلَسا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله يُبْلِسُ قال : يكتئب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عَن قَتادة ، قوله يُبْلِسُ المُجْرِمُونَ أي في النار .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ المُجْرِمُونَ قال : المبلس : الذي قد نزل به الشرّ ، إذا أبلس الرجل ، فقد نزل به بلاء .
عطف على جملة { ثم إليه ترجعون } [ الروم : 11 ] تبييناً لحال المشركين في وقت ذلك الإرجاع كأنه قيل : ثم إليه ترجعون ويومئذ يُبلس المجرمون . وله مزيد اتصال بجملة { ثم كان عاقبة الذين أساءوا السُّوأى } [ الروم : 10 ] ، وكان مقتضى الظاهر أن يقال ويومئذ يُبلس المجرمون أو يومئذ تُبلسون ، أي ويوم ترجعون إليه يبلس المجرمون ، فعدل عن تقدير الجملة المضاف إليها { يوم التي يدل عليها إليه ترجعون } [ الروم : 11 ] بذكر جملة أخرى هي في معناها لتزيد الإرجاع بياناً أنه إرجاع الناس إليه يوم تقوم الساعة ، فهو إطناب لأجل البيان وزيادة التهويل لما يقتضيه إسناد القيام إلى الساعة من المباغتة والرعب . ويدل لهذا القصد تكرير هذا الظرف في الآية بعدها بهذا الإطناب . وشاع إطلاق { الساعة } على وقت الحشر والحساب . وأصل الساعة : المقدار من الزمن ، ويتعين تحديده بالإضافة أو التعريف .
والإبلاس : سكون بحَيْرة . يقال : أبلس ، إذا لم يجد مخرجاً من شدة هو فيها . وتقدم عند قوله تعالى { إذا هم فيه مبلسون } في سورة المؤمنين ( 77 ) .
والمجرمون : المشركون ، وهم الذين أجريت عليهم ضمائر الغيبة وضمائر الخطاب بقرينة قوله { ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء } .
والإظهار في مقام الإضمار لإجراء وصف الإجرام عليهم وكان مقتضى الظاهر أنه يقال : تبلسون ، بالخطاب أو بياء الغيبة . ووصفوا بالإجرام لتحقير دين الشرك وأنه مشتمل على إجرام كبير . وقد ذكر أحد أسباب الإبلاس وأعظمها حينئذ وهو أنهم لم يجدوا شفعاء من آلهتهم التي أشركوا بها وكانوا يحسبونها شفعاء عند الله ، فلما نظروا وقلبوا النظر فلم يجدوا شفعاء خابوا وخسئوا وأبلسوا ، ولهم أسباب خيبة أخرى لم يتعلق الغرض بذكرها . وأما ما ينالهم من العذاب فذلك حالة يأس لا حالة إبلاس . و { مِن تبعيضية ، وليس الكلام من قبيل التجريد .
ونفيُ فعل { يكن } ب { لم } التي تخلص المضارع للمضي للإشارة إلى تحقيق حصول هذا النفي مثل قوله { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.