إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَمۡ خَلَقۡنَا ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ إِنَٰثٗا وَهُمۡ شَٰهِدُونَ} (150)

قوله تعالى : { أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إناثا } إضرابٌ وانتقالٌ من التَّبكيت بالاستفتاءِ السَّابقِ إلى التَّبكيتِ بهذا كما أُشير إليه أي بل أخلقنا الملائكةَ الذين هم من أشرفِ الخلائقِ وأبعدِهم من صفات الأجسامِ ورذائل الطَّبائعِ إناثاً والأُنوثةُ من أخسِّ صفاتِ الحيوانِ . وقوله تعالى : { وَهُمْ شاهدون } استهزاءً بهم تجهيلٌ لهم كقولِه تعالى : { أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ } [ سورة الزخرف ، الآية19 ] وقوله تعالى : { ما أَشْهَدتهُمْ خَلْقَ السموات والأرض وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ } [ سورة الكهف ، الآية51 ] فإنَّ أمثالَ هذه الأمورِ لا تُعلم إلا بالمشاهدةِ إذ لا سبيلَ إلى معرفتِها بطريقِ العقلِ وانتفاء النَّقلِ ممَّا لا ريَب فيه فلابُدَّ أنْ يكون القائل بأنوثتهم شاهداً عند خلقِهم والجملةُ إمَّا حال من فاعلِ خلقنا أي بل أخلقناهُم إناثاً والحالُ أنهم حاضرون حينئذٍ أو عطفٌ على خلقنا أي بل أهم شاهدون .