معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ} (26)

{ فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد } قرأ الكسائي ويعقوب " لا يعذب ، ولا يوثق " بفتح الذال والثاء على معنى لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذ ، ولا يوثق كوثاقه يومئذ . قيل : هو رجل بعينه ، هو أمية بن خلف ، يعني لا يعذب كعذاب هذا الكافر أحد ، ولا يوثق كوثاقه أحد . وقرأ الآخرون بكسر الذال والثاء ، أي : لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله الكافر يومئذ ، ولا يوثق كوثاقه أحد ، يعني لا يبلغ أحد من الخلق كبلاغ الله في العذاب ، والوثاق : هو الإسار في السلاسل والأغلال .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ} (26)

ثم يصور مصيره بعد الحسرة الفاجعة والتمنيات الضائعة : " فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ، ولا يوثق وثاقه أحد " . . إنه الله القهار الجبار . الذي يعذب يومئذ عذابه الفذ الذي لا يملك مثله أحد .

والذي يوثق وثاقه الفذ الذي لا يوثق مثله أحد . وعذاب الله ووثاقه يفصلهما القرآن في مواضع أخرى في مشاهد القيامة الكثيرة المنوعة في ثنايا القرآن كله ، ويجملهما هنا حيث يصفهما بالتفرد بلا شبيه من عذاب البشر ووثاقهم . أو من عذاب الخلق جميعا ووثاقهم . وذلك مقابل ما أسلف في السورة من طغيان الطغاة ممثلين في عاد وثمود وفرعون ، وإكثارهم من الفساد في الأرض ، مما يتضمن تعذيب الناس وربطهم بالقيود والأغلال . فها هو ذا ربك - أيها النبي وأيها المؤمن - يعذب ويوثق من كانوا يعذبون الناس ويوثقونهم . ولكن شتان بين عذاب وعذاب ، ووثاق ووثاق . . وهان ما يملكه الخلق من هذا الأمر ، وجل ما يفعله صاحب الخلق والأمر . فليكن عذاب الطغاة للناس ووثاقهم ما يكون . فسيعذبون هم ويوثقون ، عذابا ووثاقا وراء التصورات والظنون !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ} (26)

قوله : فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذّبُ عَذَابَهُ أحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أحَدٌ أجمعت القرّاء قرّاء الأمصار في قراءة ذلك على على كسر الذال من يعذّب ، والثاء من يوثِق ، خلا الكسائي ، فإنه قرأ ذلك بفتح الذال والثاء ، اعتلالاً منه بخبر رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأه كذلك ، واهي الإسناد .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن خارجة ، عن خالد الحذّاء ، عن أبي قِلابة ، قال : ثني من أقرأه النبيّ صلى الله عليه وسلم : «فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذّبُ عَذَابَهُ أحَدٌ » .

والصواب من القول في ذلك عندنا : ما عليه قرّاء الأمصار ، وذلك كسر الذال والثاء ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه . فإذَا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : فيومئذٍ لا يعذّب بعذاب الله أحد في الدنيا ، ولا يوثق كوثاقه يومئذٍ أحد في الدنيا . وكذلك تأوّله قارئو ذلك كذلك من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذّبُ عَذَابَهُ أحَدٌ ولا يوثِق كوثاق الله أحد .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذّبُ عَذَابَهُ أحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أحَدٌ قال : قد علم الله أن في الدنيا عذابا وَوَثاقا ، فقال : فيومئذٍ لا يعذّب عذابه أحد في الدنيا ، ولا يُوثِق وثاقه أحد في الدنيا .

وأما الذي قرأ ذلك بالفتح ، فإنه وجّه تأويله إلى : فيومئذٍ لا يعذّب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذٍ ، ولا يوثَق أحد في الدنيا كوثاقه يومئذٍ . وقد تأوّل ذلك بعض من قرأ ذلك كذلك بالفتح من المتأخرين : فيومئذٍ لا يعذّب عذاب الكافر أحَد ولا يُوثَق وَثاق الكافر أحد . وقال : كيف يجوز الكسر ، ولا معذّب يومئذٍ سوى الله وهذا من التأويل غلط . لأن أهل التأويل تأوّلوه بخلاف ذلك . مع إجماع الحجة من القراء على قراءته بالمعنى الذي جاء به تأويل أهل التأويل ، وما أحسبه دعاه إلى قراءة ذلك كذلك ، إلاّ ذهابه عن وجه صحته في التأويل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ} (26)

و «يوثِق » بكسر الذال الثاء ، وعلى هذه القراءة ، فالضمير عائد في عذابه ووثاقه لله تعالى ، والمصدر مضاف إلى الفاعل ولذلك معنيان : أحدهما أن الله تعالى لا يكل عذاب الكفار يومئذ إلى أحد ، والآخر أن عذابه من الشدة في حيز لم يعذب قط أحد بمثله في الدنيا{[11814]} ، ويحتمل أن يكون الضمير للكافر والمصدر مضاف إلى المفعول ، وقرأ الكسائي وابن سيرين وابن أبي إسحاق وسواد القاضي{[11815]} «يعذَّب » و «يوثَق » بفتح الذال والثاء ، ورويت كثيراً عن النبي صلى الله عليه وسلم{[11816]} ، فالضميران على هذا للكافر الذي هو بمنزلة جنسه كله والمصدر مضاف إلى المفعول ووضع عذاب موضع تعذيب كما قال : [ القرطبي ] : [ الوافر ]

وبعض عطائك المائة الرتاعا{[11817]} . . . ويحتمل أن يكون الضميران في هذه القراءة لله تعالى ، كأنه قال : لا يعذب أحد قط في الدنيا عذاب الله للكفار ، فالمصدر مضاف إلى الفاعل ، وفي هذا التأويل تحامل ، وقرأ الخليل بن أحمد{[11818]} «وِثاقه » بكسر الواو .


[11814]:قي بعض النسخ: "لم يعذب قط أحدا بمثله في الدنيا".
[11815]:هو سواد بن عبد الله بن قدامة التميمي، العنبري، كان قاضي البصرة، قال عنه صاحب كتاب "تقريب التهذيب" : "صدوق، محمود السيرة، تكلم فيه الثوري لدخوله في القضاء، مات سنة ست وخمسين"، وهناك حفيده واسمه: سوار بن عبد الله بن سوار، كان قاضي الرصافة وغيرها، مات سنة خمس وأربعين، ونعتقد أن الأول –وهو الجد- هو المقصود، لأنه كان أشهر بالقضاء، وهذا الثاني كان أشهر من جده في الحديث.
[11816]:أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد، وابن مردويه، وابن جرير، والبغوي، والحاكم وصححه، وأبو نعيم، عن أبي قلابة، عمن أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه – وفي لفظ: أقرأ إياه (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد) منصوبة الذال والثاء. (الدر المنثور).
[11817]:هذا عجز بيت قاله القطامي، وهو من قصيدة طويلة مدح بها زفر بن الحارث الكلابي، وكان زفر قد أسر القطامي في الحرب التي كانت بين قيس وتغلب، وأرادت قيس قتله، لكن زفر حال بينهم وبينه، ومن عليه، وأعطاه مائة من الإبل، وأطلق سراحه،فقال قصيدته، والبيت بتمامه: أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعا؟ والاستفهام في (أكفرا) إنكاري، والمعنى: أأكفر كفرا؟ والرتاع: جمع راتعة، وهي الراعية، يقول: أأخونك بعد أن مننت علي وأطلقت سراحي وأعطيتني هذه المائة؟ والشاهد أن "العطاء" هنا بمعنى "الإعطاء" ولهذا عمل عمله، والمفعول الثاني محذوف، وتقديره: بعد إعطائك المائة الرتاع إياي، ورد: مصدر مضاف إلى المفعول، وفاعله محذوف ، والتقدير : بعد ردك الموت عني.
[11818]:هو الخليل بن أحمد الأزدي الفراهيدي، أبو عبد الرحمن، البصري اللغوي، صاحب العروض والنحو، صدوق عالم عابد، وهو أستاذ سيبويه، مات بعد الستين.