معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ} (48)

قوله تعالى : { ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد } . سمى السنين المجدية شدادا لشدتها على الناس ، { يأكلن } ، أي : يفنين ويهلكن ، { ما قدمتم لهن } ، أي : يؤكل فيهن ما أعددتم لهن من الطعام ، أضاف الأكل إلى السنين على طريق التوسع { إلا قليلاً مما تحصنون } تحرزون وتدخرون للبذر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ} (48)

{ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ } أي : بعد تلك السنين السبع المخصبات . { سَبْعٌ شِدَادٌ } أي : مجدبات جدا { يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ } أي : يأكلن جميع ما ادخرتموه ولو كان كثيرا . { إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ } أي : تمنعونه من التقديم لهن .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ} (48)

{ ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدّمتم لهن } أي يأكل أهلهن ما ادخرتم لأجلهن فأسند إليهن على المجاز تطبيقا بين المعبر والمعبر به . { إلا قليلا مما تحصنون } تحرزون لبذور الزراعة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ} (48)

فإذا جاءت السنون الجدبة تقوت الناس الأقدم فالأقدم من ذلك المدخر ، وادخروا أيضاً الشيء الذي يصاب في أعوام الجدب على قلته ، وحملت الأعوام بعضها على بعض حتى يتخلص الناس ، وإلى هذه السنين أشار النبي عليه السلام في دعائه على قريش :

«اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف »{[6711]} ، فابتدأ ذلك بهم ونزلت سنة حصت كل شيء{[6712]} حتى دعا لهم النبي عليه السلام فارتفع ذلك عنهم ولم يتماد سبع سنين ، وروي أن يوسف عليه السلام لما خرج ووصف هذا الترتيب للملك وأعجبه أمره ، قال له الملك : قد أسندت إليك تولي هذا الأمر في الأطعمة هذه السنين المقبلة ، فكان هذا أول ما ولي يوسف .

وأسند الأكل في قوله : { يأكلن } إلى السنين اتساعاً من حيث يؤكل فيها كما قال تعالى : { والنهار مبصراً }{[6713]} وكما قال : نهارك بطال وليلك قائم ؛ وهذا كثير في كلام العرب{[6714]} . ويحتمل أن يسمى فعل الجدب وإيباس البلالات أكلاً ، وفي الحديث : «فأصابتهم سنة َحَّصت كل شيء »{[6715]} ؛ وقال الأعرابي في السنة جمشت النجم ، والتحبت اللحم ، وأحجنت العظم{[6716]} .

و { تحصنون } معناه تحرزون وتخزنون ، قاله ابن عباس ، وهو مأخوذ من الحصن وهو الحرز والملجأ ، ومنه تحصن النساء لأنه بمعنى التحرز{[6717]} .


[6711]:أخرجه البخاري في الدعوات، وفي الاستسقاء وغيرهما، والترمذي في التفسير، ولفظه كما جاء في باب الاستسقاء في البخاري عن مسروق قال: (كنا عند عبد الله، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارا قال: اللهم سبعا كسبع يوسف ، فأخذتهم سنة َحَّصت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف، وينظر أحدهم إلى السماء فيرى الدخان من الجوع، فأتاه أبو سفيان فقال: يا محمد، إنك تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، قال الله تعالى: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} إلى قوله: عائدون* يوم نبطش البطشة الكبرى} فالبطشة يوم بدر، وقد مضت الدخان والبطشة واللزام وآية الروم).
[6712]:من قولهم، حص الشيء: حلقه، وحص الشيء: أذهبه. (المعجم الوسيط).
[6713]:و (86) من سورة (النمل) و (61) من سورة (غافر). تكررت في الآيات (67) من سورة (يونس
[6714]:هو من المجاز العقلي، وأمثلته كثيرة في كلام العرب كما يقول ابن عطية، ومنه قول الشاعر: نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم فقد أسند الشاعر السهو والغفلة إلى النهار، والنوم إلى الليل، وذلك لأن السهو والغفلة يقعان في النهار، والنوم يقع في الليل، ولهذه الملابسة الزمانية ساغ الإسناد إلى زمان الحدث، والعلاقة هي الزمانية.
[6715]:هذا جزء من الحديث السابق.
[6716]:يقال: جمش نبات الأرض: حصده، وجمش الشعر: حلقه، والنجم هو النبات. فالمعنى: السنة استأصلت النبات. ويقال: لحب لحم فلان: نحل، ويقال: حجن العود: لواه، فالمعنى أنها أذهبت اللحم وقوست العظم.
[6717]:ومنه قوله تعالى : {ولا تكرهوا بناتكم على البغاء إن أردن تحصنا}، من الآية (33) من سورة (النور).