معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ تَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (3)

قوله تعالى : { خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون } ، أي : ارتفع عما يشركون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ تَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (3)

ثم ذ كر الأدلة والبراهين على ذلك فقال : { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }

هذه السورة تسمى سورة النعم ، فإن الله ذكر في أولها أصول النعم وقواعدها ، وفي آخرها متمماتها ومكملاتها ، فأخبر أنه خلق السماوات والأرض بالحق ، ليستدل بهما العباد على عظمة خالقهما ، وما له من نعوت الكمال ويعلموا أنه خلقهما مسكنا لعباده الذين يعبدونه ، بما يأمرهم به في الشرائع التي أنزلها على ألسنة رسله ، ولهذا نزه نفسه عن شرك المشركين به فقال : { تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي : تنزه وتعاظم عن شركهم فإنه الإله حقا ، الذي لا تنبغي العبادة والحب والذل إلا له تعالى ، ولما ذكر خلق السماوات [ والأرض ]{[458]}  ذكر خلق ما فيهما .


[458]:- زيادة يقتضيها السياق.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ تَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (3)

يخبر تعالى عن خلقه العالم العلوي وهو السماوات ، والعالم السفلي وهو الأرض بما حوت ، وأن ذلك مخلوق بالحق لا للعبث{[16316]} ، بل { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } [ النجم : 31 ] .

ثم نزه نفسه عن شرك من عبد معه غيره [ من الأصنام التي لا تخلق شيئا وهم يخلقون فكيف ناسب أن يعبد معه غيره ]{[16317]} ، وهو المستقل بالخلق وحده لا شريك له ، فلهذا يستحق{[16318]} أن يعبد وحده لا شريك له .


[16316]:في أ: "لا للعب".
[16317]:زيادة من ت، ف.
[16318]:في أ: "استحق".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ تَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى : { خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون }

يقول تعالى ذكره معرفا خلقه حجته عليهم في توحيده ، وأنه لا تصلح الألوهة إلا له : خلق ربكم أيها الناس السموات والأرض بالعدل وهو الحق منفردا بخلقها لم يشركه في إنشائها وإحداثها شريك ولم يعنه عليه معين ، فأنى يكون له شريك . { تعالى عما يشركون } يقول جل ثناؤه : علا ربكم أيها القوم عن شرككم ودعواكم إلها دونه ، فارتفع عن أن يكون له مثل أو شريك أو ظهير ، لأنه لا يكون إلها إلا من يخلق وينشئ بقدرته مثل السموات والأرض ويبتدع الأجسام فيحدثها من غير شيء ، وليس ذلك في قدرة أحد سوى الله الواحد القهار الذي لا تنبغي العبادة إلا له ولا تصلح الألوهة لشيء سواه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ تَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (3)

استئناف بياني ناشئ عن قوله : { سبحانه وتعالى عما يشركون } [ سورة النحل : 1 ] لأنهم إذا سمعوا ذلك ترقّبوا دليل تنزيه الله عن أن يكون له شركاء . فابتدىء بالدلالة على اختصاصه بالخلق والتقدير ؛ وذلك دليل على أن ما يخلق لا يوصف بالإلهية كما أنبأ عنه التفّريع عقب هذه الأدلّة بقوله الآتي { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } [ سورة النحل : 17 ] .

وأعقب قوله : { سبحانه } بقوله : { وتعالى عما يشركون } تحقيقاً لنتيجة الدليل ، كما يذكر المطلوب قبل ذكر القياس في صناعة المنطق ثم يذكر ذلك المطلوب عقب القياس في صورة النتيجة تحقيقاً للوحدانية ، لأن الضلال فيها هو أصل انتقاض عقائد أهل الشرك ، ولأن إشراكهم هو الذي حداهم إلى إنكار نبوءة من جاء ينهاهم عن الشرك فلا جرم كان الاعتناء بإثبات الوحدانية وإبطال الشرك مقدماً على إثبات صدق الرسول عليه الصلاة والسلام المُبدأ به في أول السورة بقوله تعالى : { ينزل الملائكة بالروح من أمره } [ سورة النحل : 2 ] .

وعُددت دلائل من الخلق كلها متضمنة نعماً جمّة على الناس إدماجاً للامتنان بنعم الله عليهم وتعريضاً بأن المنعم عليهم الذين عبدوا غيره قد كفروا نعمته عليهم ؛ إذ شكروا ما لم يُنعم عليهم ونسوا من انفرد بالإنعام ، وذلك أعظم الكفران ، كما دلّ على ذلك عطف { وإن تعدوا نعمة الله لا تُحصوها } [ سورة إبراهيم : 34 ] على جملة { أفمن يخلق كمن لا يخلق } [ سورة النحل : 17 ] .

والاستدلال بخلق السماوات والأرض أكبر من سائر الأدلّة وأجمع لأنها محوية لهما ، ولأنهما من أعظم الموجودات ، فلذلك ابتدىء بهما ، لكن ما فيه من إجمال المَحويات اقتضى أن يعقّب بالاستدلال بأصناف الخلق والمخلوقات فثنّي بخلق الإنسان وأطواره وهو أعجب الموجودات المشاهدة ، ثم بخلق الحيوان وأحواله لأنه يجمع الأنواع التي تلي الإنسان في إتقان الصنع مع ما في أنواعها من المنن ، ثم بخلق ما به حياة الإنسان والحيوان وهو الماء والنبات ، ثم بخلق أسباب الأزمنة والفصول والمواقيت ، ثم بخلق المعادن الأرضية ، وانتقل إلى الاستدلال بخلق البحار ثم بخلق الجبال والأنهار والطرقات وعلامات الاهتداء في السير . وسيأتي تفصيله .

والباء في قوله : { بالحق } للملابسة . وهي متعلقة ب { خلق } إذ الخلق هو الملابس للحقّ .

والحقّ : هنا ضد العبث ، فهو هنا بمعنى الحكمة والجدّ ؛ ألا ترى إلى قوله { وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق } [ سورة الأنبياء : 16 ] وقوله تعالى : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً } [ سورة ص : 27 ] . والحقّ والصدق يطلقان وصفين لكمال الشيء في نوعه .

وجملة { تعالى عما يشركون } معترضة .

وقرأ حمزة والكسائي وخلف { تعالى عما تشركون } بمثناة فوقية .