اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ تَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (3)

قوله : { خَلَقَ السماوات والأرض بالحق تعالى } ارتفع { عَمَّا يُشْرِكُونَ } اعلم أنَّ دلائل الإلهيات وقعت في القرآن على نوعين :

أحدهما : أن يتمسَّك بالأظهر مترقياً إلى الأخفى ، فالأخفى كما ذكره في سورة البقرة في قوله تعالى : { يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ } [ البقرة : 21 ] فجعل تغير أحوال الإنسان دليلاً على احتياجه إلى الخالق .

ثم استدل بتغير أحوال الآباءِ ، والأمهاتِ ؛ قال تعالى : { والذين مِن قَبْلِكُمْ } [ البقرة : 21 ] .

ثم استدلَّ بأحوال الأرض ؛ فقال تعالى : { الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً } [ البقرة : 22 ] لأن الأرض أقرب إلينا من السماء .

ثُمَّ استدلَّ بأحوال السماء بعد الأرض ؛ فقال تعالى : { والسماء بِنَآءً } [ البقرة : 22 ] .

ثم استدلَّ بالأحوال المتولدة من تركيب السماء ، والأرض ؛ فقال سبحانه : { وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ } [ البقرة : 22 ] .

النوع الثاني : أن يستدل بالأشرف ، فالأشرف نازلاً إلى [ الأدون فالأدون ]{[19693]} ؛ كما ذكر في هذه الآية ، فاستدل على وجود الإله المختار بذكر الأجرام الفلكية العلوية ، فقال : { خَلَقَ السماوات والأرض بالحق تعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } وقد تقدم الكلام على الاستدلال بذلك أول الأنعام ، ثم استدل ثانياً بخلق الإنسان ، فقال عز وجل :


[19693]:في ب: الأدنى.