قوله تعالى : { وأعطى } صاحبه ، { قليلاً وأكدى } بخل بالباقي . وقال مقاتل : أعطى يعني الوليد قليلاً من الخير بلسانه ، وأكدى : ثم أكدى يعني قطعه وأمسك ولم يقم على العطية . وقال السدي : نزلت في العاص بن وائل السهمي ، وذلك أنه كان ربما يوافق النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور . وقال محمد بن كعب القرظي نزلت في أبي جهل وذلك أنه قال : والله ما يأمرنا محمد إلا بمكارم الأخلاق ، فذلك قوله :{ وأعطى قليلاً وأكدى } لم يؤمن به ، ومعنى أكدى : يعني اقطع ، وأصله من الكدية ، وهي حجر يظهر في البئر يمنع من الحفر ، تقول العرب : أكدى الحافر وأجبل ، إذا بلغ في الحفر الكدية والجبل .
فإن سمحت نفسه ببعض الشيء ، القليل ، فإنه لا يستمر عليه ، بل يبخل ويكدى ويمنع .
فإن المعروف ليس سجية له وطبيعة{[906]} بل طبعه التولي عن الطاعة ، وعدم الثبوت على فعل المعروف ، ومع هذا ، فهو يزكي نفسه ، وينزلها غير منزلتها التي أنزلها الله بها .
يقول تعالى ذكره : أفرأيت يا محمد الذي أدبر عن الإيمان بالله ، وأعرض عنه وعن دينه ، وأعطى صاحبه قليلاً من ماله ، ثم منعه فلم يعطه ، فبخِل عليه . وذُكر أن هذه الاَية نزلت في الوليد بن المغيرة من أجل أنه عاتبه بعض المشركين ، وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه ، فضمن له الذي عاتبه إن هو أعطاه شيئا من ماله ، ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الاَخرة ، ففعل ، فأعطى الذي عاتبه على ذلك بعض ما كان ضمن له ، ثم بخل عليه ومنعه تمام ما ضمن له . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وأكْدَى قال الوليد بن المغيرة : أعطى قليلاً ثم أكدى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أفَرأَيْتَ الّذِي تَوَلّى . . . إلى قوله : فَهُوَ يَرَى قال : هذا رجل أسلم ، فلقيه بعض من يُعَيّره فقال : أتركت دين الأشياخ وضَلّلتهم ، وزعمت أنهم في النار ، كان ينبغي لك أن تنصرهم ، فكيف يفعل بآبائك ، فقال : إني خشيت عذاب الله ، فقال : أعطني شيئا ، وأنا احمل كلّ عذاب كان عليك عنك ، فاعطاه شيئا ، فقال زدني ، فتعاسر حتى أعطاه شيئا ، وكتب له كتابا ، وأشهد له ، فذلك قول الله : أفَرأيْتَ الّذِي تَوَلي وأعْطَى قَلِيلاً وأكْدَى عاسره أعِنْدَهُ عِلْمُ الغَيْبِ فَهُوَ يَرَى نزلت فيه هذه الاَية . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : أكْدَى قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي سنان الشيباني ، عن ثابت ، عن الضحاك ، عن ابن عباس أعْطَى قَلِيلاً وأكْدَى قال : أعطى قليلاً ثم انقطع .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : أفَرأَيْتَ الّذِي تَوَلى وأعْطَى قَلِيلاً وأكْدَى يقول : أعطى قليلاً ثم انقطع .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وأعْطَى قَلِيلاً وأكْدَى قال : انقطع فلا يُعْطِي شيئا ، ألم تر إلى البئر يقال لها أكدت .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وأكْدَى : انقطع عطاؤه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس وقتادة ، في قوله : وأكْدَى قال : أعطى قليلاً ، ثم قطع ذلك .
قال : ثنا ابن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن عكرِمة مثل ذلك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وأكْدَى أي بخل وانقطع عطاؤه .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وأكْدَى يقول : انقطع عطاؤه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأكْدَى عاسره ، والعرب تقول : حفر فلان فأكدى ، وذلك إذا بلغ الكدية ، وهو أن يحفِر الرجل في السهل ، ثم يستقبله جبل فيُكْدِي ، يقال : قد أكدى كداء ، وكديت أظفاره وأصابعه كدًى شديدا ، منقوص : إذا غلظت ، وكديت أصابعه : إذا كلّت فلم تعمل شيئا ، وكدا النبت إذا قلّ ريعه يهمز ولا يهمز . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول : اشتق قوله : أكدى ، من كُدَية الركِيّة ، وهو أن يحفِر حتى ييأس من الماء ، فيُقال حينئذٍ بلغنا كُدْيتها .
{ وأعطى قليلا وأكدى } وقطع العطاء من قولهم أكدى الحافر إذا بلغ الكدية وهي الصخرة الصلبة فترك الحفر . والأكثر على أنها نزلت في الوليد بن المغيرة وكان يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيره بعض المشركين وقال : تركت دين الأشياخ وضللتهم قال أخشى عذاب الله تعالى فضمن أن يتحمل عنه العقاب إن أعطاه بعض ماله فارتد وأعطى بعض المشروط ثم بخل بالباقي .
فقوله : { وأعطى قليلاً وأكدى } -على هذا القول- هو في المال ، وقال مقاتل بن حيان في كتاب الثعلبي المعنى : وأعطى من نفسه قليلاً من قربه من الإيمان ثم { أكدى } أي انقطع ما أعطى ، وهذا بين من اللفظ ، والآخر يحتاج إلى رواية . و : { تولى } معناه : أدبر وأعرض ومعناه عن أمر الله . { وأكدى } معناه : انقطع عطاؤه وهو مشبه بالحافر في الأرض ، فإذا انتهى إلى كدية ، وهي ما صلب من الأرض وقف وانقطع حفره ، وكذلك أجبل الحافر إذ انتهى إلى جبل ، ثم قيل لمن انقطع عمله : أكدى وأجبل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.