الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَأَعۡطَىٰ قَلِيلٗا وَأَكۡدَىٰٓ} (34)

{ وَأَعْطَى } يعني صاحبه { قَلِيلاً وَأَكْدَى } ثم قطع نفقته فعاد عثمان رضي الله عنه إلى أحسن ذلك وأجمله .

وقال مجاهد وابن زيد : نزلت في الوليد بن المغيرة ، وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه فعيّره بعض المشركين وقال له : أتركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار ، كان ينبغي لك ان تنصرهم . قال : إني خشيت عذاب الله ، فضمن له الذي عاتبه ان هو اعطاه شيئاً من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله ، ففعل وأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له ، ثم بخل ومنحه تمام ما ضمن له فأنزل الله سبحانه { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى } أدبر عن الإيمان { وَأَعْطَى } يعني صاحبه الضامن قليلا { وَأَكْدَى } بخل بالباقي ، وقال مقاتل : يعني أعطى الوليد قليلا من الخير بلسانه ثم اي قطعه ولم يقم عليه .

وروى موسى بن عبيدة الزبيدي عن عطاء بن يسار قال : نزلت في رجل قال لأهله : جهّزوني انطلق إلى هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم فتجهّز وخرج ، فلقيه رجل من الكفار فقال له : أين تريد ؟ قال : محمداً ، لعلّي أُصيب من خيره ، فقال له الرجل : أعطني جهازك وأحمل عنك إثمك ، فنزلت فيه هذه الآية .

وروي عن السدّي أيضاً قال : نزلت في العاص بن وائل السهمي ، وذلك أنّه كان ربما يوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأُمور ، وقال محمد بن كعب القرظي : نزلت في أبي جهل ، وذلك أنه قال : والله ما يأمرنا محمد إلاّ بمكارم الاخلاق فذلك قوله : { وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى } أي لم يؤمن .

قال المفسّرون : أكدى أي قطعه ولم يقم عليه ، وأصله من الكدية وهي حجر يظهر في البئر ويمنع من الحفر ويؤيس من الماء .

قال الكسائي : تقول العرب : أكدى الحافر وأجبل إذا بلغ في الحفر الكدية والجبل ، وقال : كديتْ أصابعه إذا محلتْ ، وكديتْ يده إذا كلّت فلم يعمل شيئاً ، وكدى النبت إذا قلّ ريعه ، وقال المؤرخ : أكدى أي منع الخير ، قال الحطيئة :

فأعطى قليلا ثم أكدى عطاءه *** ومن يبذل المعروف في الناس يُحمدِ