معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّمَدۡيَنَ كَمَا بَعِدَتۡ ثَمُودُ} (95)

قوله تعالى : { كأن لم يغنوا } أي : كأن لم يقيموا ولم يكونوا { فيها ألا بعداً } ، هلاكاً ، { لمدين كما بعدت } ، هلكت { ثمود } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّمَدۡيَنَ كَمَا بَعِدَتۡ ثَمُودُ} (95)

{ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ْ } أي : كأنهم ما أقاموا في ديارهم ، ولا تنعموا فيها حين أتاهم العذاب .

{ أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ ْ } إذ أهلكها الله وأخزاها { كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ْ } أي : قد اشتركت هاتان القبيلتان في السحق والبعد والهلاك .

وشعيب عليه السلام كان يسمى خطيب الأنبياء ، لحسن مراجعته لقومه ، وفي قصته من الفوائد والعبر ، شيء كثير .

منها : أن الكفار ، كما يعاقبون ، ويخاطبون ، بأصل الإسلام ، فكذلك بشرائعه وفروعه ، لأن شعيبا دعا قومه إلى التوحيد ، وإلى إيفاء المكيال والميزان ، وجعل الوعيد ، مرتبا على مجموع ذلك .

ومنها : أن نقص المكاييل والموازين ، من كبائر الذنوب ، وتخشى العقوبة العاجلة ، على من تعاطى ذلك ، وأن ذلك من سرقة أموال الناس ، وإذا كان سرقتهم في المكاييل والموازين ، موجبة للوعيد ، فسرقتهم - على وجه القهر والغلبة - من باب أولى وأحرى .

ومنها : أن الجزاء من جنس العمل ، فمن بخس أموال الناس ، يريد زيادة ماله ، عوقب بنقيض ذلك ، وكان سببا لزوال الخير الذي عنده من الرزق لقوله : { إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ ْ } أي : فلا تسببوا إلى زواله بفعلكم .

ومنها : أن على العبد أن يقنع بما آتاه الله ، ويقنع بالحلال عن الحرام وبالمكاسب المباحة عن المكاسب المحرمة ، وأن ذلك خير له لقوله : { بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ ْ } ففي ذلك ، من البركة ، وزيادة الرزق ما ليس في التكالب على الأسباب المحرمة من المحق ، وضد البركة .

ومنها : أن ذلك ، من لوازم الإيمان وآثاره ، فإنه رتب العمل به ، على وجود الإيمان ، فدل على أنه إذا لم يوجد العمل ، فالإيمان ناقص أو معدوم .

ومنها : أن الصلاة ، لم تزل مشروعة للأنبياء المتقدمين ، وأنها من أفضل الأعمال ، حتى إنه متقرر عند الكفار فضلها ، وتقديمها على سائر الأعمال ، وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وهي ميزان للإيمان وشرائعه ، فبإقامتها تكمل أحوال العبد ، وبعدم إقامتها ، تختل أحواله الدينية .

ومنها : أن المال الذي يرزقه الله الإنسان - وإن كان الله قد خوله إياه - فليس له أن يصنع فيه ما يشاء ، فإنه أمانة عنده ، عليه أن يقيم حق الله فيه بأداء ما فيه من الحقوق ، والامتناع من المكاسب التي حرمها الله ورسوله ، لا كما يزعمه الكفار ، ومن أشبههم ، أن أموالهم لهم أن يصنعوا فيها ما يشاءون ويختارون ، سواء وافق حكم الله ، أو خالفه .

ومنها : أن من تكملة دعوة الداعي وتمامها أن يكون أول مبادر لما يأمر غيره به ، وأول منته عما ينهى غيره عنه ، كما قال شعيب عليه السلام : { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ْ } ولقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ْ }

ومنها : أن وظيفة الرسل وسنتهم وملتهم ، إرادة الإصلاح بحسب القدرة والإمكان ، فيأتون بتحصيل المصالح وتكميلها ، أو بتحصيل ما يقدر عليه منها ، وبدفع المفاسد وتقليلها ، ويراعون المصالح العامة على المصالح الخاصة .

وحقيقة المصلحة ، هي التي تصلح بها أحوال العباد ، وتستقيم بها أمورهم الدينية والدنيوية .

ومنها : أن من قام بما يقدر عليه من الإصلاح ، لم يكن ملوما ولا مذموما في عدم فعله ، ما لا يقدر عليه ، فعلى العبد أن يقيم من الإصلاح في نفسه ، وفي غيره ، ما يقدر عليه .

ومنها : أن العبد ينبغي له أن لا يتكل على نفسه طرفة عين ، بل لا يزال مستعينا بربه ، متوكلا عليه ، سائلا له التوفيق ، وإذا حصل له شيء من التوفيق ، فلينسبه لموليه ومسديه ، ولا يعجب بنفسه لقوله : { وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُْ } .

ومنها : الترهيب بأخذات الأمم ، وما جرى عليهم ، وأنه ينبغي أن تذكر القصص التي فيها إيقاع العقوبات بالمجرمين في سياق الوعظ والزجر .

كما أنه ينبغي ذكر ما أكرم الله به أهل التقوى عند الترغيب والحث على التقوى .

ومنها : أن التائب من الذنب كما يسمح له عن ذنبه ، ويعفى عنه فإن الله تعالى يحبه ويوده ، ولا عبرة بقول من يقول : " إن التائب إذا تاب ، فحسبه أن يغفر له ، ويعود عليه العفو ، وأما عود الود والحب فإنه لا يعود " فإن الله قال : { وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ْ }

ومنها : أن الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة ، قد يعلمون بعضها ، وقد لا يعلمون شيئا منها ، وربما دفع عنهم ، بسبب قبيلتهم ، أو أهل وطنهم الكفار ، كما دفع الله عن شعيب رجم قومه بسبب رهطه ، وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين ، لا بأس بالسعي فيها ، بل ربما تعين ذلك ، لأن الإصلاح مطلوب على حسب القدرة والإمكان .

فعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار ، وعملوا على جعل الولاية جمهورية يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية ، لكان أولى ، من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية ، وتحرص على إبادتها ، وجعلهم عمَلَةً وخَدَمًا لهم .

نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين ، وهم الحكام ، فهو المتعين ، ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة ، فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة ، والله أعلم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّمَدۡيَنَ كَمَا بَعِدَتۡ ثَمُودُ} (95)

وقوله : { كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا } أي : يعيشوا في دارهم قبل ذلك ، { أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ } وكانوا جيرانهم قريبًا منهم في الدار ، وشبيهًا بهم في الكفر وقَطْع الطريق ، وكانوا عرَبا شبههم .