{ 217 - 220 } { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } .
أعظم مساعد للعبد على القيام بما أمر به ، الاعتماد على ربه ، والاستعانة بمولاه على توفيقه للقيام بالمأمور ، فلذلك أمر الله تعالى بالتوكل عليه فقال : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ } والتوكل هو اعتماد القلب على الله تعالى ، في جلب المنافع ، ودفع المضار ، مع ثقته به ، وحسن ظنه بحصول مطلوبه ، فإنه عزيز رحيم ، بعزته يقدر على إيصال الخير ، ودفع الشر عن عبده ، وبرحمته به ، يفعل ذلك .
ثم يتوجه به [ صلى الله عليه وسلم ] إلى ربه ، يصله به صلة الرعاية الدائمة القريبة :
( وتوكل على العزيز الرحيم . الذي يراك حين تقوم . وتقلبك في الساجدين . إنه هو السميع العليم ) .
دعهم وعصيانهم ، متبرئا من أعمالهم ، وتوجه إلى ربك معتمدا عليه ، مستعينا في أمرك كله به . ويصفه - سبحانه - بالصفتين المكررتين في هذه السورة : العزة والرحمة . ثم يشعر قلب الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] بالأنس والقربى . فربه يراه في قيامه وحده للصلاة ، ويراه في صفوف الجماعة الساجدة . يراه في وحدته ويراه في جماعة المصلين يتعهدهم وينظمهم ويؤمهم ويتنقل بينهم . يرى حركاته وسكناته ، ويسمع خطراته ودعواته : ( إنه هو السميع العليم ) . .
وفي التعبير على هذا النحو إيناس بالرعاية والقرب والملاحظة والعناية . وهكذا كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يشعر أنه في كنف ربه ، وفي جواره وقربه . وفي جو هذا الأنس العلوي كان يعيش . .
قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر وشيبة «فتوكل » بالفاء وكذلك في مصاحف أهل المدينة والشام ، والجمهور بالواو وكذلك في سائر المصاحف ، وأمره الله تعالى بالتوكل عليه في كل أمره ، ثم جاء بالصفات التي تؤنس المتوكل وهي العزة والرحمة المذكورتان في أواخر قصص الأمم المذكورة في هذه السورة . وضمنها نصر كل نبي على الكفرة والتهمم بأمره والنظر إليه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وتوكل على} يعني: وثق بالله عز وجل {العزيز} في نقمته {الرحيم} بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة، وذلك حين دعى إلى ملة آبائه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وَتَوَكّلْ عَلى العَزِيزِ" في نقمته من أعدائه "الرّحِيمِ" بمن أناب إليه وتاب من معاصيه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ولا تخف مخالفتهم إياك في ما تدعوهم. أو أمره أن يكل نفسه إليه، ويفوض جميع أموره إليه في كل وقت، فقال: {وتوكل على العزيز الرحيم} {العزيز} المنتقم بأوليائه أو الشديد بأعدائه {الرحيم} بأوليائه. أو ذكر العزيز لأنه به يعز من يعز، وهو يرحم من يرحم، ومن لم يعزه هو فلا يكون عزيزا، ومن لم يرحمه هو فلا ينفعه ترحم غيره. والعزيز هو الذي لا يعجزه شيء.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ثم أمره أن يتوكل على العزيز الرحيم، ومعناه أن يفوض أمره إلى من يدبره. والتوكل على الله من الإيمان، لأنه أمر به، وحث عليه "على العزيز الرحيم "يعني القادر الذي لا يغالب، ولا يعاز، الكبير الرحمة، الواسع النعمة على خلقه. وقيل معنى "وتوكل على العزيز الرحيم" ليظهرك على كيد أعدائك الذين عصوك فيما أمرتهم به...
والتوكل على الله: هو أن يقطع العبد جميع أماله من المخلوقين إلا منه تعالى، ويقطع رغبته من كل أحد إلا إليه، فإذا كان كذلك رزقه الله من حيث لا يحتسب.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
انْقَطِعْ إلينا، واعتصِمْ بِنا، وتوسَّل إلينا بِنا، وكن على الدوام بنا، فإذا قُلْتَ فَقُلْ بنا، وإذا صُلْتَ فَصُلْ بنا، واشهد بقلبك -وهو في قبضتنا- تتحققْ بأنك بنا ولنا. توّكلْ على {الْعَزِيزُ} تَجِد العِزّةَ بتوكلك عليه في الدارين، فإِنّ العزيز مَنْ وثق بالعزيز. {الرَّحِيمُ} الذي يقرِّبُ مَنْ تَقَرَّبَ إليه، ويُجْزِلُ البِرَّ لِمَنْ تَوسَّل به إليه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَتَوَكَّلْ} على الله يكفك شر من يعصيك منهم ومن غيرهم. والتوكل: تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضره. وقالوا: المتوكل من إن دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله، فعلى هذا إذا وقع الإنسان في محنة ثم سأل غيره خلاصه، لم يخرج من حد التوكل؛ لأنه لم يحاول دفع ما نزل به عن نفسه بمعصية الله... {عَلَى العزيز الرحيم} على الذي يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: في جميع أمورك؛ فإنه مؤيدك وناصرك وحافظك ومظفرك ومُعْلٍ كلمتك.
الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي 875 هـ :
جاء بالصفات التي تؤنس المتوكل وهي العزة والرحمة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يتوجه به [صلى الله عليه وسلم] إلى ربه، يصله به صلة الرعاية الدائمة القريبة:
(وتوكل على العزيز الرحيم. الذي يراك حين تقوم. وتقلبك في الساجدين. إنه هو السميع العليم).
دعهم وعصيانهم، متبرئا من أعمالهم، وتوجه إلى ربك معتمدا عليه، مستعينا في أمرك كله به. ويصفه -سبحانه- بالصفتين المكررتين في هذه السورة: العزة والرحمة. ثم يشعر قلب الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالأنس والقربى. فربه يراه في قيامه وحده للصلاة، ويراه في صفوف الجماعة الساجدة. يراه في وحدته ويراه في جماعة المصلين يتعهدهم وينظمهم ويؤمهم ويتنقل بينهم. يرى حركاته وسكناته، ويسمع خطراته ودعواته: (إنه هو السميع العليم)..
وفي التعبير على هذا النحو إيناس بالرعاية والقرب والملاحظة والعناية. وهكذا كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يشعر أنه في كنف ربه، وفي جواره وقربه. وفي جو هذا الأنس العلوي كان يعيش..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمعنى: فإن عصاك أهل عشيرتك فتبرأ منهم. ولما كان التبرؤ يؤذن بحدوث مجافاة وعداوة بينه وبينهم ثبَّت الله جأش رسوله بأن لا يعبأ بهم وأن يتوكل على ربه فهو كافيه كما قال: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق: 3]. وعلق التوكل بالاسمين {العزيز الرحيم} وما تبعهما من الوصف بالموصول وما ذيل به من الإيماء إلى أنه يُلاحظ قوله ويعلم نيتَه، إشارة إلى أن التوكل على الله يأتي بما أومأت إليه هذه الصفات ومستتبعاتها بوصف {العزيز الرحيم} للإشارة إلى أنه بعزته قادر على تغلبه على عدوّه الذي هو أقوى منه، وأنه برحمته يعصمه منهم. وقد لوحظ هذان الاسمان غير مرة في هذه السورة لهذا الاعتبار كما تقدم.
العزيز الذي يغلب ولا يغلب، ويقهر ولا يقهر، ومع ذلك فهو سبحانه رحيم بك وبهم. وصفة الرحمة هنا تنفي ما يظنه البعض أن العزة هنا تقتضي الجبروت أو القهر أو الظلم، فهو سبحانه في عزته رحيم، لأن عزة العزيز على المتكبر رحمة بالمتكبر عليه.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَتَوكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} الذي يمنح عباده القوّة من قبله، فيعتزون بعزّته، ويفيض عليهم من رحمته، فيحسون بالطمأنينة والسلام الروحي من خلالها، فإذا توكل عبده عليه، وأسلم أمره إليه، وواجه الحياة في كل تحدياتها للرسالة المتحركة في خطواته الثابتة بالثقة الكبيرة في إيمانه، فإنه يسهّل له كل الصعوبات، ويجنبه كل المشاكل، ويخرجه من أقسى المآزق، ويجعل له من أمره فرجاً ومخرجاً...