تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلۡجِبَالَ أَرۡسَىٰهَا} (32)

وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا } أي : ثبتها في الأرض . فدحى الأرض بعد خلق السماء ، كما هو نص هذه الآيات [ الكريمة ] . وأما خلق نفس الأرض ، فمتقدم على خلق السماء كما قال تعالى : { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } إلى أن قال : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وهي دخان فقال لها وللأرض ائتنا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين }{[1353]}  فالذي خلق السماوات العظام وما فيها من الأنوار والأجرام ، والأرض الكثيفة الغبراء ، وما فيها من ضروريات الخلق ومنافعهم ، لا بد أن يبعث الخلق المكلفين ، فيجازيهم على أعمالهم ، فمن أحسن فله الحسنى ومن أساء فلا يلومن إلا نفسه ، ولهذا ذكر بعد هذا القيام الجزاء{[1354]} ، فقال : { فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى


[1353]:- وقع هنا سبق قلم من الشيخ -رحمه الله- فقال: إلى أن قال "ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات" وصواب ذلك ما أثبته.
[1354]:- في ب: ذكر بعد هذا قيام الساعة ثم الجزاء.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلۡجِبَالَ أَرۡسَىٰهَا} (32)

( والأرض بعد ذلك دحاها . أخرج منها ماءها ومرعاها . والجبال أرساها ) . .

ودحو الأرض تمهيدها وبسط قشرتها ، بحيث تصبح صالحة للسير عليها ، وتكوين تربة تصلح للإنبات ، وإرساء الجبال وهو نتيجة لاستقرار سطح الأرض ووصول درجة حرارته إلى هذا الاعتدال الذي يسمح بالحياة . والله أخرج من الأرض ماءها سواء ما يتفجر من الينابيع ، أو ما ينزل من السماء فهو أصلا من مائها الذي تبخر

ثم نزل في صورة مطر . وأخرج من الأرض مرعاها وهو النبات الذي يأكله الناس والأنعام وتعيش عليه الأحياء مباشرة وبالواسطة . .

وكل أولئك قد كان بعد بناء السماء ، وبعد إغطاش الليل وإخراج الضحى . والنظريات الفلكية الحديثة تقرب من مدلول هذا النص القرآني حين تفترض أنه قد مضى على الأرض مئات الملايين من السنين ، وهي تدور دوراتها ويتعاقب الليل والنهار عليها قبل دحوها وقبل قابليتها للزرع . وقبل استقرار قشرتها على ما هي عليه من مرتفعات ومستويات .

/خ33

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلۡجِبَالَ أَرۡسَىٰهَا} (32)

وقوله : { وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا } أي : قررها وأثبتها وأكَّدها في أماكنها ، وهو الحكيم العليم ، الرءوف بخلقه الرحيم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا العوام بن حَوشب ، عن سليمان بن أبي سليمان ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما خلق الله الأرض جعلت تَمِيد ، فخلق الجبال فألقاها عليها ، فاستقرت فتعجبت الملائكةُ من خلق الجبال فقالت : يا رب ، فهل من خلقك شيء أشد من الجبال ؟ قال نعم ، الحديد . قالت : يا رب ، فهل من خلقك شيء أشد من الحديد ؟ قال : نعم ، النار . قالت : يا رب ، فهل من خلقك شيء أشد من النار ؟ قال : نعم ، الماء . قالت : يا رب ، فهل من خلقك شيء أشد من الماء ؟ قال : نعم ، الريح . قالت : يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الريح ؟ قال : نعم ، ابن آدم ، يتصدق بيمينه يخفيها من{[29686]} شماله " {[29687]} .

وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابنُ حميد ، حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن أبي عبد الرحمن السّلميّ ، عن علي قال : لما خلق الله الأرض قمصت وقالت : تخلق عَلَيّ آدم وذريته ، يلقون علي نتنهم ويعملون عَلَيّ بالخطايا ، فأرساها الله بالجبال ، فمنها ما ترون ، ومنها ما لا ترون ، وكان أول قَرَار الأرض كلحم الجزور إذا نحِر ، يختلج لحمه . غريب{[29688]} .


[29686]:- (1) في أ: "عن".
[29687]:- (2) المسند (3/124)، ورواه الترمذي في السنن برقم (3369) عن محمد بن بشار، عن يزيد بن هارون به، وقال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه".
[29688]:- (3) تفسير الطبري (30/30).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلۡجِبَالَ أَرۡسَىٰهَا} (32)

وقوله : والجِبالَ أرْساها يقول : والجبال أثبتها فيها ، وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره ، وهو فيها ، وذلك أن معنى الكلام : والجبال أرساها فيها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة والجِبالَ أرْساها : أي أثبتها لا تَمِيد بأهلها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن أبي عبد الرحمن السّلَمِيّ ، عن عليّ قال : لما خلق الله الأرض قَمَصَت وقالت : تَخْلُق عليّ آدمَ وذرّيته يُلقون عليّ نَتْنهم ، ويعملون عليّ بالخطايا فأرساها الله ، فمنها ما ترون ، ومنها ما لا ترون ، فكان أوّل قرار الأرض كلحم الجزور إذا نُخِر يختلج لحمها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلۡجِبَالَ أَرۡسَىٰهَا} (32)

وقرأ الجمهور : و «الجبالَ » نصباً ، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : «والجبالُ » رفعاً ، و { أرساها } معناه : أثبتها

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلۡجِبَالَ أَرۡسَىٰهَا} (32)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يقول: أوتدها في الأرض لئلا تزول، فاستقرت بأهلها...

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

ابن رشد: قال مالك: يريد أثبتها...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

والجبال أثبتها فيها، وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره، وهو فيها، وذلك أن معنى الكلام: والجبال أرساها فيها..

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

أي وأثبت الجبال في الارض. والإرساء: الإثبات بالثقل...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{أرساها} أي أثبتها وأقرها و- مع كونها ثابتة لا تتحول فإنه سبحانه جعلها مراسي للأرض تكون سبباً لثباتها كما أن المراسي سبب لثبات السفينة...

السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني 977 هـ :

ونظيره قوله تعالى: {والجبال أوتاداً} [النبأ: 7]...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ونَصب {والجبال} يجوز أن يكون على طريقة نصب {والأرض بعد ذلك دحاها} ويجوز أن يكون عطفاً على {ماءها ومرعاها} ويكون المعنى: وأخرج منها جبالها، فتكون (ال) عوضاً عن المضاف إليه مثل {فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 41] أي مأوى من خافَ مقام ربه فإن الجبال قطع من الأرض ناتئة على وجه الأرض. وإرساء الجبال: إِثباتُها في الأرض، ويقال: رست السفينة، إذا شُدّت إلى الشاطئ فوقفت على الأَنْجَرِ، ويوصف الجبل بالرسوّ حقيقة...

ومن معنى إرسائها: أنها جعلت منحدرة ليتمكن الناس من الصعود فيها بسهولة كما يتمكن الراكب من ركوب السفينة الراسية ولو كانت في داخل البحر ما تمكن الراكب من ركوبها إلا بمشقة...