التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَٱلۡجِبَالَ أَرۡسَىٰهَا} (32)

{ أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها 27 رفع سمكها 1 فسواها2 28 وأغطش ليلها 3 وأخرج ضحاها 4 29 والأرض بعد ذلك دحاها 5 30 أخرج منها ماءها ومرعاها 31 والجبال أرساها 32 متاعا لكم ولأنعامكم 33 }[ 27-33 ] .

وفي هذه الآيات التفات إلى السامعين وسؤالهم سؤال المستنكر المندد عما إذا كانوا يرون خلقهم أشد وأشق على الله من الأكوان التي خلقها : فهو الذي خلق السماء وأعلى سقفها وضبط نواميسها . وقدر الظلام ليلا والضياء نهارا . وهو الذي مد الأرض وبسطها ويسرها للسير والاستقرار وأرسى فوقها الجبال وأخرج منها الماء والنبات ليكون في ذلك قوام حياتهم وأنعامهم .

والمتبادر أن الجواب على السؤال منطو في الآيات نفسها . فالله الذي خلق السماوات والأرض وأودع فيها النواميس اللازمة والتي تفوق في العظمة خلق الناس أهون عليه أن يخلق الناس ثانية بطبيعة الحال .

والمتبادر كذلك أن السؤال موجه إلى الكفار لأنهم هم الذين يجحدون البعث ويستعظمون وقوعه . وهكذا تكون الآيات قد جاءت في صدد توكيد البعث والتدليل على قدرة الله عليه ، وهي والحالة هذه متصلة بالسياق السابق على قصة رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وتكون الإشارة التذكيرية إلى هذه القصة قد جاءت استطرادا مما هو مألوف في النظم القرآني .

ولقد احتوت آيات عديدة في سور سابقة ما احتوته هذه الآيات وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار .

ولقد أورد ابن كثير حديثا رواه الإمام أحمد عن أنس بن مالك في سياق

جملة { والجبال أرساها } أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت فتعجبت الملائكة من خلق الجبال فقالت : يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الجبال ؟ قال : نعم ، الحديد . قالت : يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الحديد ؟ قال : نعم ، النار . قالت : يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار ؟ قال : نعم ، الماء . قالت يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء ؟ قال : نعم ، الريح . قالت : يا رب ، فهل من خلقك شيء أشد من الريح ؟ قال : نعم ، ابن آدم يتصدق بيمينه يخفيها عن شماله ) . وأورد الطبري في سياق الجملة حديثا عن علي جاء فيه : ( لما خلق الله الأرض قصمت وقالت تخلق عليّ آدم وذريته يلقون عليّ نتنهم ويعملون عليّ بالخطايا فأرساها الله فمنها ما ترون ومنها ما لا ترون ، فكان أول قرار الأرض كلحم الجزور إذا نحر يختلج لحمها ) .

والحديثان لم يردا في كتب الأحاديث الصحيحة . ومهما يكن من أمر فإن حكمة التنزيل اقتضت أن يذكرا للسامعين هنا . وفي المناسبات العديدة السابقة ما للجبال من تأثير في ثبات الأرض اتساقا مع ما في أذهانهم من ذلك والله أعلم بسبيل التنبيه على كون الله تعالى قد أحسن كل شيء خلقه وإيجاب الإيمان به والاتجاه إليه وحده وشكره على ما يتمتعون به من أفضاله . وإذا صح الحديث النبوي فيكون في ذلك حكمة سامية . ولعل من هذه الحكمة ما جاء في آخره من تعظيم التصدق خفية على المستحقين .