روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَٱلۡجِبَالَ أَرۡسَىٰهَا} (32)

وقوله تعالى : { والجبال } منصوب بمضمر يفسره قوله سبحانه : { أرساها } أي أثبتها وفيه تنبيه على أن الرسول المنسوب إليها في مواضع كثيرة من التنزيل ليس من مقتضيات ذاتها وللفلاسفة المحدثين كلام في أمر الأرض وكيفية بدئها لا مستند لهم فيه إلا آثار أرضية يزعمون دلالتها على ذلك هي في أسفل الأرض عن ساحة القبول وقرأ عيسى برفع { الأرض } والحسن وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وابن أبي عبلة وأبو السمال برفع الأرض والجبال وهو على ما قيل على الابتداء وتعقبه الزجاج بأن ذلك مرجوح لأن العطف على فعلية وأورد عليه أن قوله تعالى : { بناها } لكيفية خلق السماء وقوله سبحانه : { رَفَعَ سَمْكَهَا } [ النازعات : 28 ] بيان للبناء وليس لدحو الأرض وما بعده دخل في شيء من ذلك فكيف يعطف عليه ما هو معطوف على المجموع عطف القصة على القصة والمعتبر فيه تناسب القصتين وهو حاصل هنا فلا ضير في الاختلاف بل فيه نوع تنبيه على ذلك وقيل إن جملة قوله تعالى { والأرض } الخ على القراءتين ليس معطوفة على قوله سبحانه : { رَفَعَ سَمْكَهَا } لأنها لا تصلح بياناً لبناء السماء فلا بد من تقدير معطوف عليه وحينئذ يقدر جملة فعلية على قراءة الجمهور أي فعل ما فعل في السماء وجملة اسمية على قراءة الآخرين أي السماء وما يتعلق بها مخلوق له تعالى وجوز عطف الأرض بالرفع على { السماء } من حيث المعنى كأنه قيل السماء أشد خلقاً والأرض بعد ذلك أي والأرض بعدما ذكر من السماء أشد خلقاً فيكون وزان قوله تعالى : { دحاها } الخ وزان قوله تعالى : { بناها } الخ وحينئذ فلا يكون بعد ذلك مشعراً بتأخر دحو الأرض عن بناء السماء