معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ} (13)

قوله تعالى : { ولقد رآه نزلةً أخرى } يعني : رأى جبريل في صورته التي خلق عليها نازلاً من السماء نزلة أخرى ، وذلك أنه رآه في صورته مرتين ، مرة في الأرض ومرة في السماء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ} (13)

{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى } أي : رأى محمد جبريل مرة أخرى ، نازلا إليه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ} (13)

وليست هذه هي المرة الوحيدة التي رآه فيها على صورته . فقد تكررت مرة أخرى :

ولقد رآه نزلة أخرى . عند سدرة المنتهى . عندها جنة المأوى . إذ يغشى السدرة ما يغشى . ما زاغ البصر وما طغى . لقد رأى من آيات ربه الكبرى .

وكان ذلك في ليلة الإسراء والمعراج - على الراجح من الروايات - فقد دنا منه - وهو على هيئته التي خلقه الله بها مرة أخرى

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ} (13)

وقوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } ، هذه هي المرة الثانية التي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جبريل على صورته التي خلقه الله عليها ، وكانت ليلة الإسراء . وقد قدمنا الأحاديث الواردة في الإسراء بطرقها وألفاظها في أول سورة " سبحان " بما أغنى عن إعادته هاهنا ، وتقدم أن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، كان يثبت الرؤية ليلة الإسراء ، ويستشهد بهذه الآية . وتابعه جماعة من السلف والخلف ، وقد خالفه جماعات من الصحابة ، رضي الله عنهم ، والتابعين وغيرهم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم بن بَهْدَلَة ، عن زر بن حُبَيْش ، عن ابن مسعود في هذه الآية : { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى } ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت جبريل وله ستمائة جناح ، ينتثر من ريشه التهاويل : الدرّ والياقوت " {[27611]} . وهذا إسناد جيد قوي .

وقال أحمد أيضا : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا شريك ، عن جامع بن أبي راشد ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح ، كل جناح منها قد سد الأفق : يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم " {[27612]} . إسناده حسن أيضا .

وقال أحمد أيضا : حدثنا زيد بن الحُبَاب ، حدثني حسين ، حدثني عاصم بن بَهْدَلَة قال : سمعت شَقِيق بن سلمة يقول : سمعت ابن مسعود يقول قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت جبريل على سدرة {[27613]} المنتهى وله ستمائة جناح " سألت عاصما عن الأجنحة فأبى أن يخبرني . قال : فأخبرني بعض أصحابه أن الجناح ما بين المشرق والمغرب {[27614]} . وهذا أيضا إسناد جيد .

وقال أحمد : حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا حسين ، حدثني عاصم بن بَهْدَلَة{[27615]} ، حدثني{[27616]} شقيق{[27617]} قال :{[27618]} سمعت ابن مسعود يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل ، عليه السلام ، في خُضر معلق به الدر {[27619]} " {[27620]} . إسناده جيد أيضا .

وقال الإمام أحمد : حدثني يحيى عن إسماعيل ، حدثنا عامر قال : أتى مسروقُ عائشة فقال : يا أم المؤمنين ، هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ؟ قالت : سبحان الله لقد قَفّ شعري لما قلت ، أين أنت من ثلاث من حَدّثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمدًا رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت : { لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ } [ الأنعام : 103 ] ، { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } [ الشورى : 51 ] ، ومن أخبرك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ } الآية [ لقمان : 34 ] ، ومن أخبرك أن محمدا قد كتم{[27621]} ، فقد كذب ، ثم قرأت : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } [ المائدة : 67 ] ، ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين {[27622]} .

وقال أحمد أيضا : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : كنت عند عائشة فقلت : أليس الله يقول : { وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ } [ التكوير : 23 ] ، { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى } فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل {[27623]} رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، فقال : " إنما ذاك جبريل " . لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين ، رآه منهبطا من السماء إلى الأرض ، سادًّا عُظْمُ خلقه ما بين السماء والأرض .

أخرجاه في الصحيحين ، من حديث الشعبي ، به{[27624]} .

رواية أبي ذر ، قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن عبد الله بن شقيق قال : قلت لأبي ذر : لو رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته . قال : وما كنت تسأله ؟ قال : كنت أسأله : هل رأى ربه ، عز وجل ؟ فقال : إني قد سألته فقال : " قد رأيته ، نورا أنى أراه " {[27625]} .

هكذا وقع في رواية الإمام أحمد ، وقد أخرجه مسلم من طريقين بلفظين فقال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وَكِيع ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن قتادة ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ فقال : " نور أنى أراه " .

وقال : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن عبد الله بن شقيق قال : قلت لأبي ذر : لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته . فقال : عن أي شيء كنت تسأله ؟ قال : قلت : كنت أسأله : هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر : قد سألت فقال : " رأيت نورا " {[27626]} .

وقد حكى الخلال في " علله " أن الإمام أحمد سُئل عن هذا الحديث فقال : ما زلتُ منكرا له ، وما أدري ما وجهه {[27627]} .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن عون الواسطي ، أخبرنا هُشَيْم ، عن منصور ، عن الحكم ، عن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي ذر قال : رآه بقلبه ، ولم يره بعينه .

وحاول ابن خُزَيمة أن يدعي انقطاعه بين عبد الله بن شَقِيق وبين أبي ذر ، وأما ابن الجوزي فتأوله على أن أبا ذر لعله سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء ، فأجابه بما أجابه به ، ولو سأله بعد الإسراء لأجابه بالإثبات . وهذا ضعيف جدا ، فإن عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، قد سألت عن ذلك بعد الإسراء ، ولم يثبت لها الرؤية . ومن قال : إنه خاطبها على قدر عقلها ، أو حاول تخطئتها فيما ذهبت إليه - كابن خُزيمة في كتاب التوحيد{[27628]} - ، فإنه هو المخطئ ، والله أعلم .

وقال النسائي : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشام {[27629]} ، عن منصور ، عن الحكم ، عن يزيد بن شريك ، عن أبي ذر قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ، ولم يره ببصره {[27630]} .

وقد ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن علي بن مُسْهِر ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أنه قال في قوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى } ، قال : رأى جبريل {[27631]} ، عليه السلام{[27632]} .

وقال مجاهد في قوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى } قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته مرتين ، وكذا قال قتادة والربيع بن أنس ، وغيرهم .


[27611]:- (4) المسند (1/460).
[27612]:-(1) لم أجده في المسند وذكره الحافظ ابن حجر في أطرف المسند (4/158).
[27613]:- (2) في م: "السدرة".
[27614]:- (3) المسند (1/407).
[27615]:- (4) في أ: "حصين".
[27616]:- (5) في م: "قال سمعت".
[27617]:- (6) في م: "شقيق بن سلمة".
[27618]:- (7) في م، أ: "يقول".
[27619]:- (8) في م: "الدر به".
[27620]:- (9) المسند (1/407).
[27621]:- (10) في أ: "كتم شيئا من الوحي".
[27622]:- (11) المسند (6/49).
[27623]:- (12) في أ: "سألت".
[27624]:- (13) المسند (6/241) وصحيح البخاري برقم (4855) وصحيح مسلم برقم (177) بنحوه.
[27625]:- (1) المسند (5/147).
[27626]:- (2) صحيح مسلم برقم (178).
[27627]:- (3) ووجه الإنكار لا محل له في المتن، فإن له شواهد وهو دليل على نفي الرؤية في الدنيا.
[27628]:- (4) التوحيد لابن خزيمة (ص205، 206) (ص225).
[27629]:- (5) في م، أ: "هشيم".
[27630]:- (6) النسائي في السنن الكبرى برقم (11536).
[27631]:- (7) في أ: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل".
[27632]:- (8) صحيح مسلم برقم (175).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ} (13)

وقوله : وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى يقول : لقد رآه مرّة أخرى . واختلف أهل التأويل في الذي رأى محمد نزلة أخرى نحو اختلافهم في قوله : ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى . ذكر بعض ما رُوي في ذلك من الاختلاف . ذكر من قال فيه رأى جبريل عليه السلام :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة ، أن عائشة قالت : يا أبا عائشة من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله قال : وكنت متكئا ، فجلست ، فقلت : يا أمّ المؤمنين أنظريني ولا تعجليني ، أرأيت قول الله وَلَقَدْ رآه نَزْلَةً أُخْرَى وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ المُبِينِ قالت : إنما هو جبريل رآه مرّة على خلقه وصورته التي خلق عليها ، ورآه مرّة أخرى حين هبط من السماء إلى الأرض سادّا عظم خلقه ما بين السماء والأرض ، قالت : أنا أوّل من سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذه الاَية ، قال : «هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ » .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ وعبد الأعلى ، عن داود ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة بنحوه .

حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا داود ، عن الشعبي ، عن مسروق ، قال : كنت عند عائشة ، فذكر نحوه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت له : يا أبا عائشة ، من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله ، والله يقول : لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصارَ وَما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلّمَهُ اللّهُ إلاّ وَحيْا أوْمِنْ وَرَاء حِجاب قال : وكنت متكئا ، فجلست وقلت : يا أمّ المؤمنين انتظري ولا تعجلي ألم يقل الله وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى وَلَقَدْ رآهُ بالأُفُق المُبِين فقالت : أن أوّل هذه الأمة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : «لَمْ أَرَ جِبْرِيلَ عَلى صُورَتِهِ إلاّ هاتَيْن المَرّتَيْن مُنْهَبِطا مِنَ السّماء سادّا عِظَم خَلْقِهِ ما بَينَ السّماءِ والأرْض » .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا داود بن أبي هند ، عن الشعبيّ ، عن مسروق ، قال : كنت متكئا عند عائشة ، فقالت : يا أبا عائشة ، ثم ذكر نحوه .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن ابن مسعود وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قال : رأى جبريل في رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن قيس بن وهب ، عن مرّة ، عن ابن مسعود لَقَدْ رآهُ نُزَلَةً أُخْرَى قال : رأى جبريل في وبر رجليه كالدرّ ، مثل القطر على البقل .

حدثني الحسين بن عليّ الصدائي ، قال : حدثنا أبو أُسامة ، عن سفيان ، عن قيس بن وهب ، عن مرّة في قوله : وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ثم ذكر نحوه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن مجاهد وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قال : رأى جبريل في صورته مرّتين .

حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل الحضرميّ ، عن مجاهد ، قال : رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في صورته مرّتين .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع وَلَقَدْ رآه نَزْلَةً أخْرَى قال : جبريل عليه السلام .

حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : حدثنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل ، عن عامر ، قال : ثني عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن كعب أنه أخبره أن الله تبارك وتعالى قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمد ، فكلّمه موسى مرّتين ، ورآه محمد مرّتين ، قال : فأتى مسروق عائشة ، فقال : يا أمّ المؤمنين ، هل رأى محمد ربه ، فقالت : سبحان الله لقد قفّ شعري لما قلت : أين أنت من ثلاثة من حدّثك بهنّ فقد كذب ، من أخبرك أن محمدا رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت لا تُدْرِكُه الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارُ وَهُوَ اللّطِيفُ الخَبِير وَما كانَ لِبَشَر أنْ يُكَلّمَهُ اللّهُ إلاّ وَحْيا أوْ مِنْ وَرَاءِ حِجاب ومن أخبرك ما في غد فقد كذب ، ثم تلت آخر سورة لقمان إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنْزّلُ الغَيْثَ ، وَيَعْلَمُ ما في الأرْحام وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَمُوتُ ومن أخبرك أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد كذب ، ثم قرأت ، يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ قالت : ولكنه رأى جبريل عليه السلام في صورته مرّتين .

حدثنا موسى بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا أبو أُسامة ، قال : ثني إسماعيل ، عن عامر ، قال : حدثنا عبد الله بن الحارث بن نوفل ، قال : سمعت كعبا ، ثم ذكر نحو حديث عبد الحميد بن بيان ، غير أنه قال في حديثه فرآه محمد مرّة ، وكلّمه موسى مرّتين . ذكر من قال فيه : رأى ربه عزّ وجلّ .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن سماك بن عكرِمة ، عن ابن عباس أنه قال : وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه ، فقال له رجل عند ذلك : أليس لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأبْصَارَ ؟ قال له عكرِمة : أليس ترى السماء ؟ قال : بلى ، أفكلها ترى ؟ .

حدثنا سعيد بن يحيى ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن ابن عباس ، في قول الله : وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى قال : دنا ربه فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إلى عبده ما أوحى قال : قال ابن عباس قد رآه النبيّ صلى الله عليه وسلم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ} (13)

{ ولقد رآه نزلة أخرى } مرة أخرى فعلة من النزول أقيمت مقام المرة ونصبت نصبها إشعارا بأن الرؤية في هذه المرة كانت أيضا بنزول ودنو والكلام في المرئي والدنو ما سبق . وقيل تقديره ولقد رآه نازلا نزلة أخرى ، ونصبها على المصدر والمراد به نفي الريبة عن المرة الأخيرة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ} (13)

واختلف الناس في الضمير في قوله : { ولقد رآه } حسبما قدمناه ، فقال ابن عباس وكعب الأحبار : هو عائد على الله ، وقال ابن مسعود وعائشة ومجاهد والربيع : هو عائد على جبريل . و : { نزلة } معناه : مرة ، ونصبه علىلمصدر في موضع الحال .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ} (13)

أي إن كنتم تجحدون رؤيته جبريل في الأرض فلقد رآه رؤية أعظم منها إذ رآه في العالم العلوي مصاحِباً ، فهذا من الترقي في بيان مراتب الوحي ، والعطف عطف قصة على قصة ابتدىء بالأضعف وعقب بالأقوى .

فتأكيد الكلام بلام القسم وحرف التحقيق لأجل ما في هذا الخبر من الغرابة من حيث هو قد رأى جبريل ومن حيث أنه عَرج به إلى السماء ومن الأهمية من حيث هو دال على عظيم منزلة محمد صلى الله عليه وسلم فضمير الرفع في { رءاه } عائد إلى { صاحبكم } [ النجم : 2 ] ، وضمير النصب عائد إلى جبريل .

و { نزلة } فَعلة من النزول فهو مصدر دال على المرة : أي في مكان آخر من النزول الذي هو الحلول في المكان ، ووصفها ب { أخرى } بالنسبة لما في قوله : { ثم دنا فتدلى } [ النجم : 8 ] فإن التدلِّي نزول بالمكان الذي بلغ إليه .

وانتصاب { نزلة } على نزع الخافض ، أو على النيابة عن ظرف المكان ، أو على حذف مضاف بتقدير : وقت نزلة أخرى ، فتكون نائباً عن ظرف الزمان .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ} (13)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولقد رآه نزلة أخرى} يقول: رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه مرة أخرى...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى "يقول: لقد رآه مرّة أخرى. واختلف أهل التأويل في الذي رأى محمد نزلة أخرى نحو اختلافهم في قوله: "ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى"... عن عائشة، أن عائشة قالت: يا أبا عائشة من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله قال: وكنت متكئا، فجلست، فقلت: يا أمّ المؤمنين أنظريني ولا تعجليني، أرأيت قول الله "وَلَقَدْ رآه نَزْلَةً أُخْرَى" "وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ المُبِينِ" قالت: إنما هو جبريل رآه مرّة على خلقه وصورته التي خلق عليها، ورآه مرّة أخرى حين هبط من السماء إلى الأرض سادّا عظم خلقه ما بين السماء والأرض، قالت: أنا أوّل من سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، قال: «هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ»...

عن ابن عباس أنه قال: "وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى" قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه، فقال له رجل عند ذلك: أليس لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأبْصَارَ؟ قال له عكرِمة: أليس ترى السماء؟ قال: بلى، أفكلها ترى؟.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} مرة أخرى، فسمّاها نزلة على الاستعارة، وذلك أنّ جبريل رآه النبيّ صلى الله عليه وسلم ُعلى صورته التي خلق عليها مرتين: مرة بالأُفق الأعلى في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى في السماء، وهذا قول عائشة وأكثر العلماء وهو الاختيار، لأنه قرن الرؤية بالمكان فقال {عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى}، ولأنه قال: {نَزْلَةً أُخْرَى} وتقديرها: ولقد رآه نازلا نزلة أُخرى، ووصف الله سبحانه بالمكان والنزول الذي هو الانتقال محال؛ ولأنه قال: {نَزْلَةً أُخْرَى} ولم يروَ في الحديث أنّه صلى الله عليه وسلم رأى ربّه عزّ وجل قبل ليلة المعراج فيراه تلك الليلة مرة أُخرى.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

أي إن كنتم تجحدون رؤيته جبريل في الأرض فلقد رآه رؤية أعظم منها إذ رآه في العالم العلوي مصاحِباً، فهذا من الترقي في بيان مراتب الوحي، والعطف عطف قصة على قصة ابتدئ بالأضعف وعقب بالأقوى. فتأكيد الكلام بلام القسم وحرف التحقيق لأجل ما في هذا الخبر من الغرابة من حيث هو قد رأى جبريل ومن حيث أنه عَرج به إلى السماء ومن الأهمية من حيث هو دال على عظيم منزلة محمد صلى الله عليه وسلم وصفها ب {أخرى} بالنسبة لما في قوله: {ثم دنا فتدلى} [النجم: 8] فإن التدلِّي نزول بالمكان الذي بلغ إليه. وسلم فضمير الرفع في {رءاه} عائد إلى {صاحبكم} [النجم: 2]، وضمير النصب عائد إلى جبريل. و {نزلة} فَعلة من النزول فهو مصدر دال على المرة: أي في مكان آخر من النزول الذي هو الحلول في المكان.

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

وليس في آيات النجم شيء صريح عن المعراج الذي يظل خبره الصريح مستندا إلى الأحاديث المروية وحسب، وأكثرهم يعتبر جملة {ولقد رآه نزلة أخرى} النجم [13] من قرائن العروج مع أن الحديث الذي أوردناه قبل عن عائشة يذكر أن المرئي هو جبريل عليه السلام. ونصوص كثير من الأحاديث التي أوردناها هنا تقوي رجحان انقطاع الصلة بين آيات سورة النجم التي نحن في صددها وحادث المعراج وتسوغ القول: إنه أقحم عليها إقحاما، وإن خبره إنما كان في الأحاديث المروية في صدده. كما أنها تدعم ما قلناه في نهاية التعليق السابق في صدد ماهيته، والله أعلم.