فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ} (13)

{ ولقد رآه نزلة أخرى } اللام هي الموطئة للقسم ، أي والله لقد رآه ، والنزلة المرة من النزول ، أي رأى جبريل نازلا نزلة أخرى ، أو رآه رؤية أخرى ، ونصب نزلة على الظرف أو المصدرية أو الحالية ، وبالأول قال الزمخشري وهو مذهب الفراء ، نقله عنه مكي ، وبالثاني قدر أبو البقاء ، وبالثالث قال الحوفي وابن عطية ، قال جمهور المفسرين : المعنى أنه رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام مرة أخرى في صورة نفسه ، وذلك ليلة المعراج ، وقيل : رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه مرة أخرى بفؤاده وقيل : بعينه .

أخرج مسلم والطبراني وغيرهما .

" عن ابن عباس في الآية قال : رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه مرتين " ، وأخرج نحوه عنه الترمذي وحسنه ، وعن أنس قال : رأى محمد ربه ، وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه مرتين ، مرة ببصره ومرة بفؤاده ، وعنه لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ، وعنه قال : أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم ؟ والكلام لموسى ؟ والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد روي نحو هذا عنه من طرق .

وأخرج مسلم والترمذي وابن مردويه .

" عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أريت ربك قال نور أنى أره " .

" وعنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال رأيت نورا " أخرجه مسلم وابن مردويه .

" وعنه قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ، ولم يره ببصره ، أخرجه النسائي وابن المنذر وغيرهما ، قال صاحب التحرير : والحجج في المسألة وإن كانت كثيرة لكن لا نتمسك إلا بالأقوى منها ، وهو حديث ابن عباس : أتعجبون الخ . " وعن عكرمة سئل ابن عباس هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه قال : نعم " ، وقد روي بإسناد لا بأس به ، وعن أنس نحوه . وكان الحسن يحلف لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ، والأصل في المسألة حديث ابن عباس حبر هذه الأمة وعالمها ، والمرجوع إليه في المعضلات ، وقد راجعه ابن عمر في هذه المسألة فأخبره أنه رآه ، ولا يقدح في هذا حديث عائشة ، لأنها لم تخبر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لم أر ربي وإنما ذكرت ما ذكرت متأولة لقول الله تعالى : { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا } الآية ، وقوله { لا تدركه الأبصار } ، وإذ قد صحت الروايات عن ابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بإثبات الرؤية وجب المصير إلى إثباتها لأنها ليس مما يدرك بالعقل ، ويؤخذ بالظن ، وإنما يتلقى بالسمع ، ولا يستجيز لأحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد ، وقد قال معمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس : ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس ثم ابن عباس أثبت ما نفاه غيره والمثبت مقدم على النافي انتهى .