والصدع النبت يشق الأرض وينبثق . . وهما يمثلان مشهدا للحياة في صورة من صورها . حياة النبات ونشأته الأولى : ماء يتدفق من السماء ، ونبت ينبثق من الأرض . . أشبه شيء بالماء الدافق من الصلب والترائب ؛ والجنين المنبثق من ظلمات الرحم . الحياة هي الحياة . والمشهد هو المشهد . والحركة هي الحركة . . نظام ثابت ، وصنعة معلمة ، تدل على الصانع . الذي لا يشبهه أحد لا في حقيقة الصنعة ولا في شكلها الظاهر !
وهو مشهد قريب الشبه بالطارق . النجم الثاقب . وهو يشق الحجب والستائر . كما أنه قريب الشبه بابتلاء السرائر وكشف السواتر . . صنعة واحدة تشير إلى الصانع !
يقسم الله بهذين الكائنين وهذين الحدثين : السماء ذات الرجع . والأرض ذات الصدع . . حيث يوقع مشهدهما وإيحاؤهما ، كما يوحي جرس التعبير ذاته ، بالشدة والنفاذ والجزم
وقوله : وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ يقول تعالى ذكره : والأرض ذات الصدع بالنبات . وبنحو الذي قلنافي ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن خَصِيف ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ قال : ذات النبات .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ يقول : صدعها إخراج النبات في كلّ عام .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ قال : هذه تصدع عما تحتها قال أبو رجاء : وسُئل عنها عكرِمة ، فقال : هذه تصدع عن الرزق .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، عن ابن أبي نجيح ، قال مجاهد وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدعِ مثل المأزم مَأْزِمِ مِنًى .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ قال : الصدع : مثل المأْزِم ، غير الأودية وغير الجُرُف .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ تصدع عن الثمار وعن النبات ، كما رأيتم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَالأرْضِ ذات الصّدْعِ قال : تصدع عن النبات .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ وقرأ : ثُمّ شَقَقْنا الأرْضَ شَقّا فَأنْبَتْنا فِيه حَبّا وَعِنَبا وَقَضْبا إلى آخر الاَية ، قال : صدعها للحرث .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : والأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ : النبات .
و { الصدع } : النبات ، لأن الأرض تتصدع عنه ، وهذا قول من قال : إن { الرجع } المطر ، وقال مجاهد : { الصدع } : ما في الأرض من شعاب ولصاب{[11741]} وخندق وتشقق بحرث وغيره ، وهي أمور فيها معتبر ، وهذا قول يناسب القول الثاني في { الرجع }
وعطف { الأرض } في القسم لأن بذكر الأرض إتمام المناسبة بين المقسم والمقسم عليه كما علمت من المثل الذي في الحديث .
و { الصدع } : الشق ، وهو مصدر بمعنى المفعول ، أي المصدوع عنه ، وهو النبات الذي يخرج من شقوق الأرض قال تعالى : { أنا صببنا الماء صباً ثم شققنا الأرض شقاً فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً } [ عبس : 25 29 ] .
ولأن في هذين الحالين إيماء إلى دليل آخر من دلائل إحياء الناس للبعث فكان في هذا القسم دليلان .
والضمير الواقع اسماً ل ( إنّ ) عائد إلى القرآن وهو معلوم من المقام .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ "يقول تعالى ذكره: والأرض ذات الصدع بالنبات... عن ابن عباس: "وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ" يقول: صدعها إخراج النبات في كلّ عام...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ذات الصدع} بالنبات، أو {ذات الصدع} أي ذات أودية وأنهار، يجتمع فيها الماء، فينتفع بها الخلق لسقي أراضيهم ودوابهم، فعظم أمر السماء والأرض، فأقسم بهما...
اعلم أن الصدع هو الشق، ومنه قوله تعالى: {يومئذ يصدعون} أي يتفرقون...
واعلم أنه سبحانه كما جعل، كيفية خلقة الحيوان دليلا على معرفة المبدأ والمعاد، ذكر في هذا القسم كيفية خلقة النبات، فالسماء ذات الرجع كالأب، والأرض ذات الصدع كالأم، وكلاهما من النعم العظام، لأن نعم الدنيا موقوفة على ما ينزل من السماء من المطر متكررا، وعلى ما ينبت من الأرض كذلك...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والصدع النبت يشق الأرض وينبثق.. وهما يمثلان مشهدا للحياة في صورة من صورها. حياة النبات ونشأته الأولى: ماء يتدفق من السماء، ونبت ينبثق من الأرض.. أشبه شيء بالماء الدافق من الصلب والترائب؛ والجنين المنبثق من ظلمات الرحم. الحياة هي الحياة. والمشهد هو المشهد. والحركة هي الحركة.. نظام ثابت...