ثم نشهد - بعين الخيال - فإذا صحاف من ذهب وأكواب يطاف بها عليهم . وإذا لهم في الجنة ما تشتهيه الأنفس . وفوق شهوة النفوس التذاذ العيون ، كمالاً وجمالاً في التكريم :
( يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب . وفيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ) . .
ومع هذا النعيم . ما هو أكبر منه وأفضل . التكريم بالخطاب من العلي الكريم :
( وأنتم فيها خالدون . وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون . لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون )فما بال المجرمين الذين تركناهم منذ هنيهة يتلاحون ويختصمون ?
ثم قيل لهم على وجه التفضل والامتنان : { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي : أعمالكم الصالحة كانت سببا لشمول رحمة الله إياكم ، فإنه لا يدخل أحدًا عمله الجنة ، ولكن بفضل من الله ورحمته .
وإنما الدرجات تفاوتها{[26132]} بحسب عمل الصالحات .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا الفضل بن شاذان المقرئ ، حدثنا يوسف بن يعقوب - يعني الصفار - حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي صالح{[26133]} ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل أهل النار يرى منزله من الجنة حسرة ، فيقول : { لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [ الزمر : 57 ] وكل أهل الجنة يرى منزله من النار فيقول : { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } [ الأعراف : 43 ] ، ليكون {[26134]} له شكرا " . قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار ، فالكافر يرث المؤمنَ منزلَه من النار ، والمؤمن يرث الكافرَ منزله من الجنة " وذلك {[26135]} قوله تعالى : { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } {[26136]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَتِلْكَ الْجَنّةُ الّتِيَ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مّنْهَا تَأْكُلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : يقال لهم : وهذه الجنة التي أورثكموها الله عن أهل النار الذين أدخلهم جهنم بما كنتم في الدنيا تعملون من الخيرات لَكُمْ فِيها يقول : لكم في الجنة فاكهة كثيرة من كلّ نوع مِنْها تَأْكُلُونَ يقول : من الفاكهة تأكلون ما اشتهيتم .
{ وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون } وقرأ ورثتموها ، شبه جزاء العمل بالميراث لأنه يخلفه عليه العامل ، وتلك إشارة إلى الجنة المذكورة وقعت مبتدأ والجنة خبرها ، و{ التي أورثتموها } صفتها أو { الجنة } صفة { تلك } و { التي } خبرها أو صفة { الجنة } والخبر { بما كنتم تعملون } ، وعليه يتعلق الباء بمحذوف لا ب { أورثتموها } .
وجملة { وتلك الجنة التي أورثموها } الآية تذييل للقول . واسم الإشارة مبتدأ و { الجنة } خبره ، أي تلك التي تَرونها هي الجنة التي سمعتم بها ووُعدتم بدخولها . وجملة { التي أورثتموها بما كنتم تعملون } صفة للجنة .
واستعير { أورثتموها } لمعنى : أُعطيتموها دون غيركم ، بتشبيه إعطاء الله المؤمنين دون غيرهم نعيم الجنة بإعطاء الحاكم مال الميت لوارثه دون غيره من القرابة لأنه أولى به وآثرُ بنيله .
والباء في { بما كنتم تعملون } للسببية وهي سببية بجعل الله ووعده ، ودل قوله { كنتم تعملون } على أن عملهم الذي استحقّوا به الجنة أمر كائن متقرر ، وأن عملهم ذلك متكرر متجدد ، أي غير منقطع إلى وفاتهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.