ولهذا فصل الله تعالى العاملين ، ووصف أعمالهم ، فقال : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى } [ أي ] ما أمر به من العبادات المالية ، كالزكوات ، والكفارات والنفقات ، والصدقات ، والإنفاق في وجوه الخير ، والعبادات البدنية كالصلاة ، والصوم ونحوهما .
والمركبة منهما ، كالحج والعمرة [ ونحوهما ] { وَاتَّقَى } ما نهي عنه ، من المحرمات والمعاصي ، على اختلاف أجناسها .
هذه حقيقة . ولكن هناك حقيقة أخرى . حقيقة إجمالية تضم أشتات البشر جميعا . وتضم هذه العوالم المتباينة كلها . تضمها في حزمتين اثنتين . وفي صفين متقابلين . تحت رايتين عامتين : ( من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ) . . و ( من بخل واستغنى وكذب بالحسنى ) . .
( فأما من أعطى واتقى ، وصدق بالحسنى . . فسنيسره لليسرى ) . .
وقوله : فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى يقول تعالى ذكره : فأما من أعطى واتقى منكم أيها الناس في سبيل الله ، ومن أمَرهُ الله بإعطائه من ماله ، وما وهب له من فضله ، واتقى الله واجتنب محارمه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، في قوله : فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى قال : أعطى ما عنده واتقى ، قال : اتقى ربه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مَهْديّ ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس فأمّا مَنْ أعْطَى من الفضل واتّقَى : اتقى ربه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فأمّا مَنْ أعْطَى حقّ الله وَاتّقَى محارم الله التي نهى عنها .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى يقول : من ذكر الله ، واتقى الله .
ثم قسم تعالى الساعين فذكر أن من أعطى وظاهر ذلك إعطاء المال ، وهي أيضاً تتناول إعطاء الحق في كل شيء ، قول وفعل ، وكذلك البخل المذكور بعد أن يكون بالإيمان وغيره من الأقوال التي حق الشريعة أن لا يبخل بها ويروى أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق ، وذلك أنه كان يعتق ضعفة العبيد الذين أسلموا وكان ينفق في رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله ، وكان الكفار بضد ذلك{[11857]} ، وهذا قول من قال السورة كلها مكية ، قال عبد الله بن أبي أوفى : نزلت هذه السورة في أبي بكر الصديق وأبي سفيان بن حرب ، وقال مقاتل : مر أبو بكر على أبي سفيان وهو يعذب بلالاً فاشتراه منه ، وقال السدي : نزلت هذه الآية بسبب أبي الدحداح الأنصاري ، وذلك أن نخلة لبعض المنافقين كانت مطلة على دار امرأة من المسلمين لها أيتام فكانت التمر تسقط عليهم فيأكلونه فمنعهم المنافق من ذلك ، واشتد عليهم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بعنيها بنخلة في الجنة » ، فقال : لا أفعل ، فبلغ ذلك أبا الدحداح فذهب إليه واشترى منه النخلة بحائط له ، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : أنا أشتري النخلة في الجنة بهذه ، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر على الحائط الذي أعطى أبو الدحداح وقد تعلقت أقناؤه{[11858]} فيقول :
«وكم قنو معلق لأبي الدحداح في الجنة{[11859]} » ، وفي البخاري أن هذا اللفظ كان رسول الله صلى الله عيله وسلم يقوله في الأقناء التي كان أبو الدحداح يعلقها في المسجد صدقة ، وهذا كله قول من يقول بعض السور مدني
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.