{ واتقى } انتهى عما نهى الله عنه ، وعمل بأمره ؛ وخشي ربه عز وجل .
{ فأما من أعطى واتقى ( 5 ) وصدق بالحسنى( 6 ) فسنيسره لليسرى ( 7 ) وأما من بخل واستغنى ( 8 ) وكذب بالحسنى ( 9 ) فسنيسره للعسرى ( 10 ) وما يغني عنه ماله إذا ترى ( 11 ) إن علينا للهدى ( 12 ) وإن لنا للآخرة والأولى( 13 ) } .
كان المقسم عليه في الآيات الكريمة السابقة أن أعمال العباد متخالفة ؛ فمنهم من آمن وبر ، ومنهم من كفر وفجر ، وفي هذه الآيات المباركة بيان اختلاف الجزاء ؛ فأما من أدى حق المال ، وبذل وأنفق في القربات والحلال ، واتقى ربه ذا الجلال ، الكبير المتعال ، فعمل بما يرضيه وانتهى عن مناهيه ، وصدق واستيقن بما هو ملاقيه ، من الخلف من عطائه ، ومن الدرجات العالية المعدة للذين آمنوا ، واتقوا وأحسنوا ، فهذا يرشده الله تعالى لأسباب الخير { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى . . }{[11202]} .
إذا حلت الهداية قلبا نشطت في العبادة الأعضاء .
{ أولئك يسارعون في الخير وهم لها سابقون }{[11203]} { . . . أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون }{[11204]} ؛ وأما من ضن وشح ، ومنع حق المال وغل يده ، فسنهيئه ونمد له في الضلالة ، كما قال عز من قائل : { قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا }{[11205]} .
قال الفراء : يقول القائل : كيف قال : { فسنيسره للعسرى } وهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في الجواب : هذا في إجازته بمنزلة قوله عز وجل : { . . فبشرهم بعذاب أليم }{[11206]} والبشارة في الأصل على المفرح والمسار ، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر ، جاءت البشارة فيهما ؛ وكذلك التيسير في الأصل على المفرح ، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر ، جاء التيسير فيهما جميعا ، قال الفراء : وقوله تعالى : { فسنيسره } : سنهيئه . اه{[11207]} .
{ وما يغني عنه ماله إذا تردى } لا يغني عنه ماله إذا هلك وسقط في جهنم { يوم لا ينفع مال ولا بنون . إلا من أتى الله بقلب سليم }{[11208]} { . . لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم . . }{[11209]} { . . سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة . . }{[11210]} وأي شيء يغني عنهم المال إلا أن يكون مكواة تزيد ألمهم في دار الخبال والنكال ؟ ! { يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبابهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون }{[11211]} .
{ إن علينا للهدى } إن علينا لبيان الرشد من الغي ، وعلينا ثواب هدى المهتدين ؛ { وإن لنا للآخرة والأولى } وإنا لنملك الدنيا والعقبى ، فمن كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ، ومن طلبهما من غير مالكهما فقد ضل . في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا ){[11212]} وفي الصحيحين والترمذي عن علي رضي الله عنه قال : كنا في جنازة بالبقيع ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجلس وجلسنا معه ، ومعه عود ينكت به في الأرض ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : ( ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها ) فقل القوم : يا رسول الله ! أفلا نتكل على كتابنا ؟ فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة ، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ؛ قال : ( بل اعملوا فكل ميسر أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة{[11213]} ، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء- ثم قرأ- { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى . فسنيسره لليسرى . وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } لفظ الترمذي ؛ وقال فيه : حديث حسن صحيح- وأصل التيسير من اليسر بمعنى السهولة ، لكن أريد التهيئة والإعداد للأمر ، أعني ما يفضي إلى راحة ، وما يفضي إلى شدة . . . وقيل : التيسير أولا بمعنى اللطف ؛ وثانيا بمعنى الخذلان . . . والمعنى : أما من أعطى فسنلطف به ونوفقه ، حتى تكون الطاعة عليه أيسر الأمور وأهونها ، من قوله تعالى : { فمن يريد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام . . . }{[11214]} ؛ وأما من بخل . . . فسنخذله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد ، من قوله تعالى : { . . يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء . . }{[11215]} . . { وإن لنا للآخرة والأولى } أي التصرف الكلي فيهما . . . أو إن لنا كل ما في الدارين ، فلا يضرنا ترككم الاهتداء ، وعدم انتفاعكم بهدانا ؛ أو : فلا ينفعنا اهتداؤكم ، كما لا يضرنا ضلالكم ، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها{[11216]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.