{ 14 - 15 } { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ }
أي : ولو جاءتهم كل آية عظيمة لم يؤمنوا وكابروا { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء } فصاروا يعرجون فيه ، ويشاهدونه عيانا بأنفسهم لقالوا من ظلمهم وعنادهم منكرين لهذه الآية : { إنما سكرت أبصارنا }
وليس الذي ينقصهم هو توافر دلائل الإيمان ، فهم معاندون ومكابرون ، مهما تأتهم من آية بينة فهم في عنادهم ومكابرتهم سادرون .
وهنا يرسم السياق نموذجا باهرا للمكابرة المرذولة والعناد البغيض :
( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون ، لقالوا : إنما سكرت أبصارنا ، بل نحن قوم مسحورون ) .
ويكفي تصورهم يصعدون في السماء من باب يفتح لهم فيها . يصعدون بأجسامهم ، ويرون الباب المفتوح أمامهم ، ويحسون حركة الصعود ويرون دلائلها . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مّنَ السّمَاءِ فَظَلّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنّمَا سُكّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مّسْحُورُونَ } .
اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله : فَظَلّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ فقال بعضهم : معنى الكلام : ولو فتحنا على هؤلاء القائلين لك يا محمد لَوْما تَأْتِينا بالمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ بابا من السماء فظلت الملائكة تعرج فيه وهم يرونهم عيانا ، لقالُوا إنمَا سُكّرَتْ أبصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِيهِ يَعْرِجُونَ يقول : لو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلت الملائكة تعرج فيه ، لقال أهل الشرك : إنما أخَذَ أبصارنا ، وشَبّه علينا ، وإنما سحرنا فذلك قولهم : لَوْما تَأْتِينا بالمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن ابن عباس : فَظَلّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ فظلت الملائكة يعرجون فيه يراهم بنو آدم عيانا لقالُوا إنمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْم مَسْحورُون .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : يا أيّها الّذِي نُزّلَ عَلَيْهِ الذّكْرُ إنّكَ لمَجْنُونٌ لَوْما تَأْتِينا بالمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ ، قال : ما بين ذلك إلى قوله : وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِيهِ يَعْرِجُونَ قال : رجع إلى قوله : لَوْما تَأْتِينا بالمَلائِكَةِ ما بين ذلك . قال ابن جريج : قال ابن عباس : فظلت الملائكة تعرج فنظروا إليهم ، لقالُوا إنّمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا قال : قريش تقوله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِيهِ يَعْرِجُونَ قال : قال ابن عباس : لو فتح الله عليهم من السماء بابا فظلت الملائكة تعرج فيه ، يقول : يختلفون فيه جائين وذاهبين لقالُوا إنّمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِيهِ يَعْرِجُونَ يعني الملائكة يقول : لو فتحتُ على المشركين بابا من السماء ، فنظروا إلى الملائكة تعرج بين السماء والأرض ، لقال المشركون : نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ سُحرنا وليس هذا بالحقّ . ألا ترى أنهم قالوا قبل هذه الاَية : لَوْما تَأْتِينا بالمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن عمر ، عن نصر ، عن الضحاك ، في قوله : وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِيهِ يَعْرِجُونَ قال : لو أني فتحت بابا من السماء تعرج فيه الملائكة بين السماء والأرض ، لقال المشركون : بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ألا ترى أنهم قالوا : لَوْما تَأْتِينا بالمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ .
وقال آخرون : إنما عُني بذلك بنو آدم .
ومعنى الكلام عندهم : ولو فتحنا على هؤلاء المشركين من قومك يا محمد بابا من السماء فظلوا هم فيه يعرجون لقَالُوا إنّمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ قال قتادة ، كان الحسن يقول : لو فعل هذا ببني آدم فظلوا فيه يعرجون أي يختلفون ، لقالُوا إنّما سُكّرَتْ أبْصَارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ .
وأما قوله : يَعْرُجُونَ فإن معناه : يرقَوْن فيه ويَصْعَدون ، يقال منه : عرج يَعْرُج عُروجا إذا رَقِيَ وصَعَد ، وواحدة المعارج : معرج ومعراج ومنه قول كثير :
إلى حَسَبٍ عَوْدٍ بنَا المرْءَ قَبْلَهُ *** أبُوهُ لَهُ فِيهِ معَارِجَ سُلّمِ
وقد حُكي : عرِج يعرِج بكسر الراء في الاستقبال . وقوله : لقَالُوا إنّما سُكّرَتْ أبْصَارُنا يقول : لقال هؤلاء المشركون الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم : ما هذا بحقّ إنما سكّرت أبصارنا .
واختلفت القراء في قراءة قوله : سُكّرَتْ فقرأ أهل المدينة والعراق : سُكّرَتْ بتشديد الكاف ، بمعنى : غُشّيت وغُطّيت ، هكذا كان يقول أبو عمرو بن العلاء فيما ذُكر لي عنه . وذُكر عن مجاهد أنه كان يقرأ : «لقَالُوا إنّما سُكّرَتْ » .
حدثني بذلك الحرث ، قال : حدثنا القاسم ، قال : سمعت الكسائي يحدّث عن حمزة ، عن شبل ، عن مجاهد أنه قرأها : «سُكّرَتْ أبْصَارُنا » خفيفة .
وذهب مجاهد في قراءته ذلك كذلك إلى : حُبست أبصارنا عن الرؤية والنظر من سكور الريح ، وذلك سكونها وركودها ، يقال منه : سكرت الريح : إذا سكنت وركدت . وقد حُكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول : هو مأخوذ من سُكْر الشراب ، وأن معناه : قد غشّى أبصارنا السكر .
وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معنى سُكّرَتْ : سدّت . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حُذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : سُكّرَتْ أبْصَارُنا قال : سدّت .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا حجاج ، يعني ابن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن كثير قال : سدّت .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : سُكّرَتْ أبْصَارُنا يعني : سدّت .
فكأن مجاهدا ذهب في قوله وتأويله ذلك بمعنى : سدّت ، إلى أنه بمعنى : منعت النظر ، كما يُسكر الماء فيمنع من الجري بحبسه في مكان بالسكر الذي يسّكر به .
وقال آخرون : معنى سُكرت : أُخذت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن ابن عباس : لقَالُوا إنّمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا يقول : أُخذت أبصارنا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : إنما أخذ أبصارنا ، وشبّه علينا ، وإنما سحرنا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : لقَالُوا إنّما سُكّرَتْ أبْصَارُنا يقول : سُحرت أبصارنا يقول : أخذت أبصارنا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، قال : حدثنا شيبان ، عن قتادة ، قال : من قرأ : سُكّرَتْ مشددة : يعني سدّت . ومن قرأ «سُكِرَتْ » مخففة ، فإنه يعني سحرت .
وكأن هؤلاء وجّهوا معنى قوله سُكّرَتْ إلى أن أبصارهم سُحرت ، فشبه عليهم ما يبصرون ، فلا يميزون بين الصحيح مما يرون وغيره من قول العرب : سُكّر على فلان رأيه : إذا اختلط عليه رأيه فيما يريد فلم يدر الصواب فيه من غيره ، فإذا عزم على الرأي قالوا : ذهب عنه التسكير .
وقال آخرون : هو مأخوذ من السكر ، ومعناه : غشي على أبصارنا فلا نبصر ، . كما يفعل السكر بصاحبه ، فذلك إذا دير به وغشي بصره كالسمادير فلم يبصر . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : «إنّمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا » قال : سكرت ، السكران الذي لا يعقل .
وقال آخرون : معنى ذلك : عميت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن الكلبي : سُكّرَتْ قال : عميت .
وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي قول من قال : معنى ذلك : أخذت أبصارنا وسحرت ، فلا تبصر الشيء على ما هو به ، وذهب حدّ إبصارنا وانطفأ نوره كما يقال للشيء الحارّ إذا ذهبت فورته وسكن حدّ حرّة : قد سكر يسكر . قال المثنى بن جندل الطّهوي :
جاءَ الشّتاءُ واجْثَأَلّ القُبّرُ *** واستَخْفَتِ الأفْعَى وكانت تَظْهَرُ
*** وجَعَلَتْ عينُ الحَرُور تَسْكُرُ ***
أي تسكن وتذهب وتنطفىء . وقال ذو الرّمّة :
قَبْلَ انْصِداعِ الفَجْرِ والتّهَجّرِ *** وخَوْضُهُنّ اللّيْلَ حينَ يَسْكُرُ
يعني : حين تسكن فورته . وذُكر عن قيس أنها تقول : سكرت الريح تسكر سُكُورا ، بمعنى : سكنت . وإن كان ذلك عنها صحيحا ، فإن معنى سُكِرَت وسُكّرَتْ بالتخفيف والتشديد متقاربان ، غير أن القراءة التي لا أستجيز غيرها في القرآن : سُكّرَتْ بالتشديد لإجماع الحجة من القراء عليها ، وغير جائز خلافها فيما جاءت به مجمعة عليه .
وقوله : { ولو فتحنا عليهم } ، الضمير في { عليهم } عائد على قريش وكفرة العصر المحتوم عليهم . والضمير في قوله : { فظلوا } يحتمل أن يعود عليهم - وهو أبلغ في إصرارهم - وهذا تأويل الحسن : و { يعرجون } معناه : يصعدون .
وقرأ الأعمش وأبو حيوة «يعرِجون » بكسر الراء{[7139]} ، والمعارج الأدراج ، ومنه : المعراج ، ومنه قول كثير : [ الطويل ] .
إلى حسب عود بني المر قبله . . . أبوه له فيه معارج سلم{[7140]}
ويحتمل أن يعود على { الملائكة } [ الحجر : 7 ] لقولهم : { لو ما تأتينا بالملائكة } [ الحجر : 7 ] ، فقال الله تعالى : «ولو رأوا الملائكة يصعدون ويتصرفون في باب مفتوح في السماء ، لما آمنوا » : وهذا تأويل ابن عباس .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ولو فتحنا عليهم} يعني على كفار مكة، {بابا من السماء} فينظرون إلى الملائكة عيانا كيف يصعدون إلى السماء، {فظلوا فيه يعرجون}، يقول: فمالوا في الباب يصعدون...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله:"فَظَلّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ"؛
فقال بعضهم: معنى الكلام: ولو فتحنا على هؤلاء القائلين لك يا محمد "لَوْما تَأْتِينا بالمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ "بابا من السماء فظلت الملائكة تعرج فيه وهم يرونهم عيانا، لقالُوا: "إنمَا سُكّرَتْ أبصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ"... وقال آخرون: إنما عُني بذلك بنو آدم.
ومعنى الكلام عندهم: ولو فتحنا على هؤلاء المشركين من قومك يا محمد بابا من السماء فظلوا هم فيه يعرجون "لقَالُوا إنّمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا"...
وأما قوله: "يَعْرُجُونَ" فإن معناه: يرقَوْن فيه ويَصْعَدون، يقال منه: عرج يَعْرُج عُروجا إذا رَقِيَ وصَعَد...
وقوله: "لقَالُوا إنّما سُكّرَتْ أبْصَارُنا" يقول: لقال هؤلاء المشركون الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم: ما هذا بحقّ إنما سكّرت أبصارنا.
واختلفت القراء في قراءة قوله: "سُكّرَتْ" فقرأ أهل المدينة والعراق: "سُكّرَتْ" بتشديد الكاف، بمعنى: غُشّيت وغُطّيت، هكذا كان يقول أبو عمرو بن العلاء فيما ذُكر لي عنه.
وذُكر عن مجاهد أنه كان يقرأ: «لقَالُوا إنّما سُكرَتْ».
حدثني بذلك الحرث، قال: حدثنا القاسم، قال: سمعت الكسائي يحدّث عن حمزة، عن شبل، عن مجاهد أنه قرأها: «سُكرَتْ أبْصَارُنا» خفيفة.
وذهب مجاهد في قراءته ذلك كذلك إلى: حُبست أبصارنا عن الرؤية والنظر من سكور الريح، وذلك سكونها وركودها، يقال منه: سكرت الريح: إذا سكنت وركدت. وقد حُكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: هو مأخوذ من سُكْر الشراب، وأن معناه: قد غشّى أبصارنا السكر.
وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في تأويله؛
فقال بعضهم: معنى سُكّرَتْ: سدّت... بمعنى: منعت النظر، كما يُسكر الماء فيمنع من الجري بحبسه في مكان بالسكر الذي يسّكر به.
وقال آخرون: معنى سُكرت: أُخذت... عن ابن عباس: إنما أخذ أبصارنا، وشبّه علينا، وإنما سحرنا...
عن قتادة، قال: من قرأ: سُكّرَتْ مشددة: يعني سدّت. ومن قرأ «سُكِرَتْ» مخففة، فإنه يعني سحرت.
وكأن هؤلاء وجّهوا معنى قوله سُكّرَتْ إلى أن أبصارهم سُحرت، فشبه عليهم ما يبصرون، فلا يميزون بين الصحيح مما يرون وغيره من قول العرب: سُكّر على فلان رأيه: إذا اختلط عليه رأيه فيما يريد، فلم يدر الصواب فيه من غيره، فإذا عزم على الرأي قالوا: ذهب عنه التسكير.
وقال آخرون: هو مأخوذ من السكر، ومعناه: غشي على أبصارنا فلا نبصر، كما يفعل السكر بصاحبه، فذلك إذا دير به وغشي بصره كالسمادير فلم يبصر...
وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي قول من قال: معنى ذلك: أخذت أبصارنا وسحرت، فلا تبصر الشيء على ما هو به، وذهب حدّ إبصارنا وانطفأ نوره، كما يقال للشيء الحارّ إذا ذهبت فورته وسكن حدّ حرّه: قد سكر يسكر...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون} يخبر، جل، وعلا، عن سفههم وعنادهم في سؤالهم الآيات وطلب نزول الملائكة يقولون: {لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين} فيقول: إن سؤالهم الآيات، وما سألوا متعنتين مكابرين ليسوا هم بمسترشدين، لكن أهل الإسلام، لا يعرفون تعنتهم بالذكر {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية لَيُؤمِنُنَّ بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} (الأنعام: 109)... فعلى ذلك قوله: {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون} يخبر أنهم بسؤالهم نزول الملائكة معاندون مكابرون ليسوا بمسترشدين.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
الضمير في {عليهم} عائد على قريش وكفرة العصر المحتوم عليهم. والضمير في قوله: {فظلوا} يحتمل أن يعود عليهم -وهو أبلغ في إصرارهم- وهذا تأويل الحسن.
والمعارج الأدراج، ومنه: المعراج...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما أخبره بهذه الأسرار منبئة عن أحوالهم، وكانت النفس أشد شيء طلباً لقطع حجة المتعنت بإجابة سؤله، قال تعالى مخبراً بتحقيق ما ختم به من أنهم لا يؤمنون للخوارق ولو رأوا أعجب من الإتيان بالملائكة؛ {ولو فتحنا} أي بما لنا من العظمة {عليهم} أي على من قال: لو ما تأتينا بالملائكة {باباً} يناسب عظمتنا {من السماء} وأشار إلى أن ذلك حالهم -ولو كانوا في أجلى الأوقات وهو النهار- بقوله: {فظلوا} أي الكفار {فيه} أي ذلك الباب العالي {يعرجون} أي يصعدون ماشين في الصعود مشية الفرح...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
...وبعد فكيف يقترح هؤلاء عليك الآيات، ويغرمون بما يخرق العادات، من ملائكة يرونها، وعجائب ينظرونها، وهل تغني تلك الآيات، وهل النوع البشري يكفيه ما يخالف العادات؟ فما يشتبه على الناس بأفعال السحرة والمشعوذين يوقعهم في اللبس، فكم من نبي أيدناه بمثل تلك الآيات ولم يؤمن به من قومه إلا قليل منهم، وما الآيات إلا ما تفهمه العقول، وتمحصه القرائح درسا وتحليلا، وبحثا واستنباطا.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وليس الذي ينقصهم هو توافر دلائل الإيمان، فهم معاندون ومكابرون، مهما تأتهم من آية بينة فهم في عنادهم ومكابرتهم سادرون. وهنا يرسم السياق نموذجا باهرا للمكابرة المرذولة والعناد البغيض: (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون، لقالوا: إنما سكرت أبصارنا، بل نحن قوم مسحورون). ويكفي تصورهم يصعدون في السماء من باب يفتح لهم فيها. يصعدون بأجسامهم، ويرون الباب المفتوح أمامهم، ويحسون حركة الصعود ويرون دلائلها...
وهم قد طلبوا أن ينزل إليهم ملك من السماء؛ لذلك نجد الحق سبحانه هنا يأتيهم بدليل أقوى مما طلبوا، ذلك أن نزول ملك من السماء هو أسهل بكثير من أن ينزل من السماء سلماً يصعدون عليه، وفي هذا ارتقاء في الدليل؛ لكنهم يرتقون أيضاً في الكفر، وقالوا: إن حدث ذلك فلسوف يكون من فعل السحر. ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم ساحراً لسحرهم، وجعلهم جميعاً مؤمنين..