مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ} (14)

قوله تعالى { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون }

اعلم أن هذا الكلام هو المذكور في سورة الأنعام في قوله : { ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين } والحاصل : أن القوم لما طلبوا نزول ملائكة يصرحون بتصديق الرسول عليه السلام في كونه رسولا من عند الله تعالى ، بين الله تعالى في هذه الآية أن بتقدير أن يحصل هذا المعنى لقال الذين كفروا هذا من باب السحر وهؤلاء الذين يظن أنا نراهم فنحن في الحقيقة لا نراهم . والحاصل : أنه لما علم الله تعالى أنه لا فائدة في نزول الملائكة فلهذا السبب ما أنزلهم .

فإن قيل : كيف يجوز من الجماعة العظيمة أن يصيروا شاكين في وجود ما يشاهدونه بالعين السليمة في النهار الواضح ، ولو جاز حصول الشك في ذلك كانت السفسطة لا لازمة ، ولا يبقى حينئذ اعتماد على الحس والمشاهدة ؟

أجاب القاضي عنه : بأنه تعالى ما وصفهم بالشك فيما يبصرون ، وإنما وصفهم بأنهم يقولون هذا القول ، وقد يجوز أن يقدم الإنسان على الكذب على سبيل العناد والمكابرة ، ثم يسأل نفسه ويقول : أفيصح من الجمع العظيم أن يظهروا الشك في المشاهدات ؟ ويجيب بأنه يصح ذلك إذا جمعهم عليه غرض صحيح معتبر من مواطأة على دفع حجة أو غلبة خصم ، وأيضا فهذه الحكاية إنما وقعت عن قوم مخصوصين ، سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم إنزال الملائكة ، وهذا السؤال ما كان إلا من رأساء القوم ، وكانوا قليلي العدد ، وإقدام العدد القليل على ما يجري مجرى المكابرة جائز .

المسألة الثانية : قوله تعالى : { فظلوا فيه يعرجون } يقال : ظل فلان نهاره يفعل كذا إذ فعله بالنهار ولا تقول العرب ظل يظل إلا لكل عمل النهار ، كما لا يقولون بات يبيت إلا بالليل ، والمصدر الظلول ، وقوله { فيه يعرجون } يقال : عرج يعرج عروجا ، ومنه المعارج ، وهي المصاعد التي يصعد فيها ، وللمفسرين في هذه الآية قولان :

القول الأول : أن قوله ( فظلوا فيه يعرجون ) من صفة المشركين . قال ابن عباس رضي الله عنهما : لو ظل المشركون يصعدون في تلك المعارج وينظرون إلى ملكوت الله تعالى وقدرته وسلطانه ، وإلى عبادة الملائكة الذين هم من خشيته مشفقون لشكوا في تلك الرؤية وبقوا مصرين على كفرهم وجهلهم كما جحدوا سائر المعجزات من انشقاق القمر وما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن المعجز الذي لا يستطيع الجن والإنس أن يأتوا بمثله .

القول الثاني : أن هذا العروج للملائكة ، والمعنى : أنه تعالى لو جعل هؤلاء الكفار بحيث يروا أبواب من السماء مفتوحة وتصعد منها الملائكة وتنزل لصرفوا ذلك عن وجهه ، ولقالوا : سحرونا وجعلونا بحيث نشاهد هذه الأباطيل التي لا حقيقة لها .