ولما كان يوم الدين هو موضع التكذيب ، فإنه يعود إليه بعد تقرير ما يقع فيه . يعود إليه ليقرر حقيقته الذاتية في تضخيم وتهويل بالتجهيل وبما يصيب النفوس فيه من عجز كامل وتجرد من كل شبهة في عون أو تعاون . وليقرر تفرد الله بالأمر في ذلك اليوم العصيب :
( وما أدراك ما يوم الدين ? ثم ما أدراك ما يوم الدين ? يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ، والأمر يومئذ لله ) . .
والسؤال للتجهيل مألوف في التعبير القرآني . وهو يوقع في الحس أن الأمر أعظم جدا وأهول جدا من أن يحيط به إدراك البشر المحدود . فهو فوق كل تصور وفوق كل توقع وفوق كل مألوف .
وقوله : وَما أدْرَاكَ ما يَوْمُ الدّينِ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما أدراك يا محمد ، أي وما أشْعرك ما يوم الدين ؟ يقول : أيّ شيء يومُ الحساب والمجازاة ، معظما شأنه جلّ ذكره ، بقيله ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما أدْرَاكَ ما يَوْم الدينِ تعظيما ليوم القيامة ، يوم تدان فيه الناس بأعمالهم .
يجوز أن تكون حالية ، والواو واو الحال ، ويجوز أن تكون معترضة إذا جُعل { يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً } [ الانفطار : 19 ] بدلاً من { يوم الدين } المنصوب على الظرفية كما سيأتي .
و { ما أدراك ما يوم الدين } : تركيب مركب من { ما } الاستفهامية وفعل الدراية المعدّى بالهمزة فصار فاعله مفعولاً زائداً على مفعولي دَرى ، وهو من قبيل : أعلم وأرَى ، فالكاف مفعوله الأول ، وقد علق على المفعولين الآخرين ب { ما } الاستفهامية الثانية .
والاستفهام الأول مستعمل كناية عن تعظيم أمر اليوم وتهويله بحيث يَسْأل المتكلم من يسمعه عن الشيء الذي يحصِّل له الدراية بكنه ذلك اليوم ، والمقصود أنه لا تصل إلى كنهه دراية دارٍ .
والاستفهام الثاني حقيقي ، أي سئال سائل عن حقيقة يوم الدين كما تقول : علمت هل زيد قائم ، أي علمت جواب هذا السؤال .
ومثل هذا التركيب مما جرى مجرى المثل فلا يغير لفظه ، وقد تقدم بيانه مستوفى عند قوله تعالى : { وما أدراك ما الحاقة } [ الحاقة : 3 ] .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أدراك يا محمد، أي: وما أشْعرك ما يوم الدين؟ يقول: أيّ شيء يومُ الحساب والمجازاة، معظما شأنه جلّ ذكره، بقيله ذلك...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم: إنك لم تكن تدري، فأدراك الله تعالى. وقال بعضهم: هذا على التعظيم لذلك اليوم والتهويل عنه...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
تعظيم ليوم الجزاء بلفظ الاستفهام، والغرض فيه التنبيه على عظم حاله وما يستحق به من ثواب وعقاب ليعمل العباد بما يؤديهم إلى الثواب والجنة والنجاة من العقاب، وعظم يوم الدين لشدة الحاجة إلى نعيم الجنة، والنجاة من النار... فلا يوم أعظم من ذلك...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
يعني أن أمر يوم الدين بحيث لا تدرك دراية دار كنهه في الهول والشدّة وكيفما تصوّرته فهو فوق ذلك وعلى أضعافه،...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ولما كان يوم الدين هو موضع التكذيب، فإنه يعود إليه بعد تقرير ما يقع فيه. يعود إليه ليقرر حقيقته الذاتية في تضخيم وتهويل بالتجهيل وبما يصيب النفوس فيه من عجز كامل وتجرد من كل شبهة في عون أو تعاون. وليقرر تفرد الله بالأمر في ذلك اليوم العصيب:
(وما أدراك ما يوم الدين؟ ثم ما أدراك ما يوم الدين؟ يوم لا تملك نفس لنفس شيئا، والأمر يومئذ لله)..
والسؤال للتجهيل مألوف في التعبير القرآني. وهو يوقع في الحس أن الأمر أعظم جدا وأهول جدا من أن يحيط به إدراك البشر المحدود. فهو فوق كل تصور وفوق كل توقع وفوق كل مألوف.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.