قوله تعالى : { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل } تخلطون الإسلام باليهودية والنصرانية ، وقيل : لم تخلطون الإيمان بعيسى عليه السلام –وهو الحق- بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وهو الباطل ؟ وقيل : لم تخلطون التوراة التي أنزلت على موسى بالباطل الذي حرفتموه وكتبتموه بأيديكم ؟ .
قوله تعالى : { وتكتمون الحق وأنتم تعلمون } أن محمداً صلى الله عليه وسلم ودينه حق .
ثم وبخهم على إضلالهم الخلق ، فقال { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون } فوبخهم على لبس الحق بالباطل وعلى كتمان الحق ، لأنهم بهذين الأمرين يضلون من انتسب إليهم ، فإن العلماء إذا لبسوا الحق بالباطل فلم يميزوا بينهما ، بل أبقوا الأمر مبهما وكتموا الحق الذي يجب عليهم إظهاره ، ترتب على ذلك من خفاء الحق وظهور الباطل ما ترتب ، ولم يهتد العوام الذين يريدون الحق لمعرفته حتى يؤثروه ، والمقصود من أهل العلم أن يظهروا للناس الحق ويعلنوا به ، ويميزوا الحق من الباطل ، ويظهروا الخبيث من الطيب ، والحلال والحرام ، والعقائد الصحيحة من العقائد الفاسدة ، ليهتدي المهتدون ويرجع الضالون وتقوم الحجة على المعاندين قال تعالى { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم } .
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : يا أهل التوراة والإنجيل ، لم تلبسون ، يقول : لم تخلطون الحقّ بالباطل . وكان خلطهم الحقّ بالباطل : إظهارهم بألسنتهم من التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من عند الله ، غير الذي في قلوبهم من اليهودية والنصرانية .
كما : حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال عبد الله بن الصيّف وعديّ بن زيد والحارث بن عوف بعضهم لبعض : تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة ، ونكفر به عشية ، حتى نلبس عليهم دينهم ، لعلهم يصنعون كما نصنع ، فيرجعوا عن دينهم . فأنزل الله عزّ وجلّ فيهم : { يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقّ بالباطِلِ } . . . إلى قوله : { وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقّ بالباطِلِ } يقول : لم تلبسون اليهودية والنصرانية بالإسلام ، وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل غيره الإسلام ولا يجزي إلا به .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بمثله ، إلا أنه قال : الذي لا يقبل من أحد غيره الإسلامُ ، ولم يقلْ : ولا يجزي إلا به .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقّ بالباطِلِ } : الإسلام باليهودية والنصرانية .
حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قول الله عزّ وجلّ : { لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقّ بالباطِلِ } قال : الحقّ : التوراة التي أنزل الله على موسى ، والباطل : الذي كتبوه بأيديهم .
قال أبو جعفر : وقد بينا معنى اللبس فيما مضى بما أغنى عن إعادته .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَتَكْتُمُونَ الحَقّ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : ولم تكتمون يا أهل الكتاب الحقّ ؟ والحقّ الذي كتموه ما في كتبهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه ونبوّته . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَتَكْتُمُونَ الحَقّ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ } : كتموا شأن محمد ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : { وَتَكْتُمُونَ الحَقّ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يقول : يكتمون شأن محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر .
حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { تَكْتُمُونَ الحَقّ } : الإسلام ، وأمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنتم تعلمون أن محمدا رسول الله ، وأن الدين الإسلام .
وأما قوله : { وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ } فإنه يعني به : وأنتم تعلمون أن الذي تكتمونه من الحقّ حقّ ، وأنه من عند الله . وهذا القول من الله عزّ وجلّ خبر عن تعمد أهل الكتاب الكفر به ، وكتمانهم ما قد علموا من نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، ووجدوه في كتبهم وجاءتهم به أنبياؤهم .
{ يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل } بالتحريف وإبراز الباطل في صورته ، أو بالتقصير في التمييز بينهما . وقرئ تلبّسون بالتشديد وتلبَسون بفتح الباء أي تلبسون الحق مع الباطل كقوله صلى الله عليه وسلم " كلابس ثوبي زور " { وتكتمون الحق } نبوة محمد عليه السلام ونعته . { وأنتم تعلمون } عالمين بما تكتمونه .
إعادة ندائهم بقوله : { يا أهل الكتاب } ثانيةً لقصد التوبيخ وتسجيل باطلهم عليهم . ولبس الحق بالباطل تلبيس دينهم بما أدخلوا فيه من الأكاذيب والخرافات والتأويلات الباطلة ، حتى ارتفعت الثقة بجميعه . وكتمان الحق يحتمل أن يراد به كتمانهم تصديق محمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يراد به كتمانهم ما في التوراة من الأحكام التي أماتوها وعوّضوها بأعمال أحبارهم وآثار تأويلاتهم ، وهم يعلمونها ولا يعملون بها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.