ولهذا فصل ما يفعل الله بالفريقين فقال : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } إيمانا صحيحا وصدقوا إيمانهم بالأعمال الصالحة من واجبات ومستحبات { فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ } التي محلها الجنة وما فيها من النعيم المقيم والعيش السليم ، { ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ } أي : المفاز والنجاة والربح والفلاح الواضح البين الذي إذا حصل للعبد حصل له كل خير واندفع عنه كل شر .
وقوله : " فأمّا الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ ، فَيُدْخِلُهُم رَبّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ " يقول تعالى ذكره : فأما الذين آمنوا بالله في الدنيا فوحدوه ، ولم يشركوا به شيئا ، وعملوا الصالحات : يقول : وعملوا بما أمرهم الله به ، وانتهوا عما نهاهم الله عنه فَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَتِهِ يعني في جنته برحمته .
وقوله : " ذلكَ هُوَ الفَوْزُ المُبِينُ " يقول : دخولهم في رحمة الله يومئذٍ هو الظفر بما كانوا يطلبونه ، وإدراك ما كانوا يسعون في الدنيا له ، المبين غايتهم فيها ، أنه هو الفوز .
الفاء لعطف المفصل على المجمل ، وهو تفصيل لما أجمل في قوله : { وترى كل أمة جاثية } [ الجاثية : 28 ] وما بينهما اعتراض .
فالكلام هنا هو متصل بقوله : { وترى كل أمة جاثية } كما دل عليه قوله : { وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم } .
وابتدىء في التفصيل بوصف حال المؤمنين مع أن المقام للحديث عن المبطلين في قوله : { يومئذٍ يخسر المبطلون } [ الجاثية : 27 ] تنويهاً بالمؤمنين وتعجيلاً لمسرتهم وتعجيلاً لمساءة المبطلين لأن وصف حال المؤمنين يُؤذن بمخالفة حال الآخَرين لحالهم .
والتعبير ب ( يدخلهم في رحمته ) شامل لما تتصوره النفس من أنواع الكرامة والنعيم إذ جعلت رحمة الله بمنزلة المكان يدخلونه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته} يعني في جنته.
{ذلك} الدخول {هو الفوز المبين}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
" فأمّا الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ، فَيُدْخِلُهُم رَبّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ": فأما الذين آمنوا بالله في الدنيا فوحدوه، ولم يشركوا به شيئا.
وعملوا الصالحات: وعملوا بما أمرهم الله به، وانتهوا عما نهاهم الله عنه.
فَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَتِهِ يعني في جنته برحمته.
"ذلكَ هُوَ الفَوْزُ المُبِينُ ": دخولهم في رحمة الله يومئذٍ هو الظفر بما كانوا يطلبونه، وإدراك ما كانوا يسعون في الدنيا له، المبين غايتهم فيها، أنه هو الفوز...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فأما الذين آمنوا} أي آمنوا بجميع ما كان عليه الإيمان به والتصديق.
{وعملوا الصالحات} أي عملوا بما فيه صلاحهم وما توجبه الحكمة من العمل.
{فيُدخلهم ربهم في رحمته} أي في جنّته؛ سمّى الجنة رحمة؛ لأنها تنال برحمته، ويُدخل فيها، أو سمّاها رحمة؛ لأنها هي النهاية والغاية التي تطلب بالرحمة، وتراد بها.
{ذلك هو الفوز المبين} الفوز، هو الظّفر بما يُؤمل، ويُرجى من العمل، أو يقال: الفوز، هو الفلاح الذي لا خوف بعده، والله أعلم...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
ثبت في الصحيح أن الله قال للجنة:"أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء".
{ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} أي: البين الواضح...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما صرح بالمبطلين حسب ما اقتضاه الحال كما تقدم، وأشار إلى المحقين، صرح بما لوح إليه من أمر المحقين- وعطف- عليهم أضدادهم، فقال بادئاً بهم على طريق النشر المشوش مفصلاً: {فأما الذين آمنوا} أي من الأمم الجاثية.
{وعملوا} تصديقاً لدعواهم الإيمان {الصالحات فيدخلهم} أي في ذلك اليوم الذي ذكرنا عظمته وشدة هوله
{ربهم} الذي أحسن إليهم بالتوفيق بالأعمال الصالحة المرضية الموصلة.
{في رحمته} أي تقريبه وإكرامه بجليل الثواب وحسن المآب، وتقول لهم الملائكة تشريفاً: سلام عليكم أيها المؤمنون، ودل على عظيم الرحمة بقوله: {ذلك} أي الإحسان العالي المنزلة {هو} أي- لا غيره {الفوز}.
ولما كان السياق لغباوتهم وخفاء الأشياء عليهم قال تعالى: {المبين *} الذي لا يخفى على أحد شيء من أمره؛ لأنه لا يشوبه كدر أصلاً ولا نقص، بخلاف ما كان من أسبابه في الدنيا، فإنها -مع كونها كانت فوزاً- كانت خفية جداً على غير الموقنين.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
تنقسم الحشود الحاشدة والأمم المختلفة، على مدى الأجيال واختلاف الأجناس فريقين اثنين. فريقين اثنين يجمعان كل هذه الحشود: الذين آمنوا. والذين كفروا فهاتان هما الرايتان الوحيدتان عند الله وهذان هما الحزبان: حزب الله. وحزب الشيطان. وما عدا هذا من الملل والنحل والأجناس والأمم فإليهما يعود: (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فيدخلهم ربهم في رحمته. ذلك هو الفوز المبين).. وقد استراحوا من طول الارتقاب، ومن القلق والاضطراب.. والنص ينهي أمرهم في سرعة وفي بساطة، ليلقي هذا الظل المستطاب.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الفاء لعطف المفصل على المجمل، وهو تفصيل لما أجمل في قوله: {وترى كل أمة جاثية} [الجاثية: 28] وما بينهما اعتراض.
فالكلام هنا هو متصل بقوله: {وترى كل أمة جاثية} كما دل عليه قوله: {وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم}.
وابتدىء في التفصيل بوصف حال المؤمنين مع أن المقام للحديث عن المبطلين في قوله: {يومئذٍ يخسر المبطلون} [الجاثية: 27] تنويهاً بالمؤمنين وتعجيلاً لمسرتهم وتعجيلاً لمساءة المبطلين لأن وصف حال المؤمنين يُؤذن بمخالفة حال الآخَرين لحالهم.
والتعبير ب (يدخلهم في رحمته) شامل لما تتصوره النفس من أنواع الكرامة والنعيم إذ جعلت رحمة الله بمنزلة المكان يدخلونه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إنّ ل «رحمة الله» معنى واسعاً يشمل الدنيا والآخرة، وقد أطلقت في آيات القرآن الكريم على معان كثيرة، فتارة تطلق على مسألة الهداية، وأُخرى على الإنقاذ من قبضة الأعداء، وثالثة على المطر الغزير المبارك، ورابعة على نعم أُخرى كنعمة النور والظلمة، وأطلقت في موارد كثيرة على الجنّة ومواهب الله سبحانه في القيامة جملة.
(ذلك الفوز المبين) تكررت مرّة أُخرى في الآية (16) من سورة الأنعام، غاية ما هناك أنّ الفوز المبين قيل هناك لأُولئك الذين ينجون من عذاب الله عزَّ وجلّ: (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين) أمّا هنا فقد قيلت فيمن دخل الجنّة وفي رحمة الله، وكلاهما في الواقع فوز عظيم: النجاة من العذاب، والدخول في مستقر رحمة الله سبحانه.
وهنا قد يرد هذا السؤال، وهو: هل أنّ المؤمنين الذين ليس لهم عمل صالح لا يدخلون الجنّة؟
والجواب: إنّهم يدخلونها لكن بعد أن يروا جزاءهم في جهنم حتى يطهروا، فإنّ الذين يردون مستقر رحمة الله هذا بعد الحساب مباشرة هم أصحاب العمل الصالح مضافاً إلى إيمانهم.
وحسب كلمة «الفوز» كما يقول الراغب في مفرداته تعني الظفر المقترن بالسلامة، وقد استعملت في (19) مورداً من آيات القرآن المجيد، فوصف الفوز مرّة بالمبين، وأُخرى بالكبير، أمّا في غالب الآيات فقد وصف بالعظيم. وهو مستعمل عادة في شأن الجنّة، إلاّ أنّه استعمل في بعض الموارد في شأن التوفيق لطاعة الله ومغفرة الذنوب وأمثال ذلك.