ثم بين - سبحانه - على من تقع المؤاخذة والمعاقبة فقال : { إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس وَيَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق } .
أى : إنما المؤاخذة والمعاقبة كائنة على الذين يظلمون غيرهم من الناس ، ويتكبرون ويتجاوزون حدودهم فى الأرض بغير الحق .
وقيد - سبحانه - البغى فى الأرض بكونه بغير الحق ، لبيان أنه لا يكون إلا كذلك ، إذ معناه فى اللغة تجاوز الحد . يقال : بغى الجرح ، إذ تجاوز الحد فى فساده ، فهذا القيد إنما هو لبيان الواقع ، وللتنفير منه .
{ أولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أى : أولئك الذين من صفاتهم الظلم والبغى لهم عذاب أليم ، بسبب ما اجترحوه من ظلم وبغى .
المعنى إنما سبيل الحكم والإثم { على الذين يظلمون الناس } ، أي الذين يضعون الأشياء غير مواضعها من القتل وأخذ المال والأذى باليد وباللسان . والبغي بغير الحق وهو نوع من أنواع الظلم ، خصه بالذكر تنبيهاً على شدته وسوء حال صاحبه ، ثم توعدهم تعالى بالعذاب الأليم في الآخرة .
وقوله تعالى : { إنما السبيل } وقوله : { أليم } اعتراض بين الكلامين ،
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق}: يعملون فيها بالمعاصي.
{أولئك لهم عذاب أليم} يعني وجيع...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"إنّمَا السّبِيلُ على الّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ" يقول تبارك وتعالى: إنما الطريق لكم أيها الناس على الذين يتعدّون على الناس ظلما وعدوانا، بأن يعاقبوهم بظلمهم لا على من انتصر ممن ظلمه، فأخذ منه حقه.
"وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بغَيْرِ الحَقّ": ويتجاوزون في أرض الله الحدّ الذي أباح لهم ربهم إلى ما لم يأذن لهم فيه، فيفسدون فيها بغير الحقّ.
"أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ": فهؤلاء الذين يظلمون الناس، ويبغون في الأرض بغير الحقّ لهم عذاب من الله يوم القيامة في جهنم مؤلم موجع...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
إنما الحجة والتّبعة على الذين يظلمون الناس ابتداء.
{ويبغون في الأرض بغير حق} أي يأخذون من الناس ما ليس لهم أن يأخذوا، فالتّبعة والحُجّة عليهم، فأما من يأخذ حقا وجب له واستوفاه، فلا تبعة عليه ولا حجة. وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} ويفسدون في الأرض...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَيَبْغُونَ فِي الأرض} يتكبرون فيها ويعلون ويفسدون...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
هَذِهِ الْآيَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي (بَرَاءَةٌ)، وَهِيَ قَوْلُهُ: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ من سَبِيلٍ} فَكَمَا نَفَى اللَّهُ السَّبِيلَ عَمَّنْ أَحْسَنَ، فَكَذَلِكَ أَثْبَتَهَا عَلَى مَنْ ظَلَمَ، وَاسْتَوْفَى بَيَانَ الْقِسْمَيْنِ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما نفى السبيل عنه بعد تشوف السامع إلى موضع ما أشعر به الكلام السابق من الظلم، بين ذلك فقال: {إنما السبيل} أي الطريق السالك الذي لا منع منه أصلاً بالحرج والعنت.
{على} وجمع إعلاماً بكثرة المفسدين تجرئة على الانتصار منهم وإن كانوا كثيراً فإن الله خاذلهم فقال: {الذين يظلمون الناس} أي يوقعون بهم ظلمهم تعمداً عدواناً.
{ويبغون} أي يتجاوزن الحدود. {في الأرض} بما يفسدها بعد إصلاحها بتهيئتها للصلاح طبعاً وفعلاً وعلماً وعملاً.
ولما كان الفعل قد يكون بغياً وإن كان مصحوباً بحق، كالانتصار المقترن بالتعدي فيه قال: {بغير الحق} أي الكامل.
ولما أثبت عليهم بهذا الكلام السبيل، كان السامع جديراً بأن يسأل عنه فقال:
{أولئك} أي البغضاء البعداء من الله.
{لهم عذاب أليم} أي مؤلم بما آلموا من ظلموه من عباد الله بحيث يعم إيلامه أبدانهم وأرواحهم بما لها من المشاعر الظاهرة والباطنة...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
نظيرُه قوله تعالى: ما على المُحسنين من سبيل إلى قوله: {إنَّما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء} في سورة براءة (93). والمراد {بالسبيل} عين المراد به في قوله: {فأولئك ما عليهم من سبيل} [الشورى: 41] بقرينة أنه أعيد معرَّفا باللام بعد أن ذُكر منكَّراً فإن إعادة اللفظ النكرة معرّفاً بلام التعريف يفيد أن المراد به ما ذكر أولاً. وهذا السبيل الجزاء والتبعة في الدنيا والآخرة. وشمل عموم {الذين يظلمون}، وعمومُ {الناس} كلَّ ظالم، وبمقدار ظلمه يكون جزاؤه. ويدخل ابتداءً فيه الظالمون المتحدَّث عنهم وهم مشركو أهل مكة، والناسُ المتحدث عنهم وهم المسلمون يومئذٍ. والبغي في الأرض: الاعتداء على ما وضعه الله في الأرض من الحق الشامل لمنافع الأرض التي خلقت للناس،... و {الأرض}: أرض مكة، أو جميع الكرة الأرضية وهو الأليق بعموم الآية، كما قال تعالى: {وإذا تولى سعَى في الأرض ليفسد فيها} [البقرة: 205] وقال: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} [الأعراف: 85]، فكل فساد وظلم يقع في جزء من الأرض فهو بغي مظروف في الأرض...
وحكم هذه الآية يشمل ظُلم المشركين للمسلمين ويشمل ظلم المسلمين بعضهم بعضاً ليتناسب مضمونها مع جميع ما سبق...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.