بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (42)

قوله تعالى : { وَجَزَاء سَيّئَةٍ سيئة مِثْلِهَا } يعني : يعاقب مثل عقوبته لغيره { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ } يعني : عفا عن مظلمته ، وأصلح بالعفو { فَأَجْرُهُ عَلَى الله } يعني : ثوابه على الله { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين } يعني : لمن يبدأ بالظلم . روي عن زيد بن أسلم ، أنه قال : كانوا ثلاث فرق ، فرقة بالمدينة ، وفرقتان بمكة ، إحداهم تصبر على الأذى ، والثانية تنتصر ، والثالثة تكظم ، فنزلت الآية : { والذين استجابوا لِرَبّهِمْ } نزلت في الذين بالمدينة { والذين إِذَا أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ } نزلت في الذين ينتصرون وقوله : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ } نزلت في الذين يصبرون . فأثنى الله تعالى عليهم جميعاً .

ثم نزل في الظالمين { إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس } وذكر أن أبا بكر رضي الله عنه ، كان عند النبي صلى الله عليه وسلم ورجل من المنافقين يسبه ، وأبو بكر رضي الله عنه لم يجبه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت يبتسم ، فأجابه أبو بكر ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وذهب ، فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله ما دام يسبني كنت جالساً ، فلما أجبته قمت فقال صلى الله عليه وسلم : إن الملك كان يجيبه عنك ، فلما أجبته ذهب الملك ، وجاء الشيطان وأنا لا أجلس في مجلس يكون فيه الشيطان .

فنزل { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله } . وروى محمد بن المنكدر قال : ينادي المنادي يوم القيامة ، من كان له عند الله حق ، فليقم . قال : فيقوم من عفا وأصلح . قوله عز وجل : { وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ } يعني : انتصف بعد ظلمه ، واقتص منه { فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مّن سَبِيلٍ } يعني : من مأثم . وقال قتادة : هذا ، فيما يكون بين الناس من القصاص ، فأما لو ظلمك ، لا يحل لك أن تظلمه ، يعني : فيما لا يحتمل القصاص . وقال الحسن : يعني : إذا قال : لعنك الله ، أن تقول له : يلعنك الله ، وإذا سبك ، فلك أن تسبه ما لم يكن فيه حد ، أو كلمة لا تصلح . ثم قال تعالى : { إِنَّمَا السبيل } يعني : الإثم والحرج { عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس } يعني : يبدؤون بالظلم { وَيَبْغُونَ في الأرض بِغَيْرِ الحق } يعني : ويظلمون في الأرض ، ويعملون المعاصي { أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعني : وجيع .