{ فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ } وهو " قدار بن سالف " وهو المعبر عنه بقوله - تعالى - فى آية أخرى : { إِذِ انبعث أَشْقَاهَا } وعبر عنه - سبحانه - بصاحبهم ، لأنه كان معروفا ، وزعيما من زعمائهم . .
والمقصود بندائهم إياه : إغراؤه بعقر الناقة وقتلها ، مخالفين بذلك وصية نبيهم لهم بقوله { وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } وقوله - تعالى - : { فتعاطى فَعَقَرَ } مفرع على ما قبله ، وقوله : { تعاطى } مطاوع للفعل عاطاه ، وهو مشتق من عطا يعطو ، إذا تناول الشىء .
وهذه الصيغة " تعاطى " تشير إلى تعدد الفاعل ، فكأن هذا النداء بقتل الناقة ، تدافعوه فيما بينهم ، وألقاه بعضهم على بعض ، فكان كل واحد منهم يدفعه إلى غيره ، حتى استقر عند ذلك الشقى الذى ارتضى القيام به وتولى كبره ، حيث عقر الناقة ، فمفعول " عقر " محذوف للعلم به .
قال الآلوسى : قوله : { فتعاطى } العقر ، أى : فاجترأ على تعاطيه مع عظمه غير مكترث به .
{ فَعَقَرَ } أى : فأحدث العقر بالناقة ، وجوز أن يكون فتعاطى الناقة فعقرها . أو : فتعاطى السيف فقتلها ، وعلى كل فمفعول تعاطى محذوف .
ولا تعارض بين هذه الآية التى تثبت أن الذى عقر الناقة هو هذا الشقى ، وبين الآيات الأخرى التى تصرح بأنهم هم الذين عقروها ، كما فى قوله - تعالى - { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ . . } لأن المقصود أن القوم قد اتفقوا على هذا القتل للناقة ، فنادوا واحدا منهم لتنفيذه ، فنفذه وهم له مؤيدون ، فصاروا كأنهم جميعا عقروها ، لرضاهم بفعله ، والعقر . يطلق على القتل والذبح والجرح ، والمراد هنا : قتلها ونحرها .
ثم يعود السياق إلى أسلوب الحكاية . فيقص ما كان بعد ذلك منهم :
( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ) . .
وصاحبهم هو أحد الرهط المفسدين في المدينة ، الذين قال عنهم في سورة النمل : ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) . . وهو الذي قال عنه في سورة الشمس : ( إذ انبعث أشقاها ) . .
وقيل : إنه تعاطى الخمر فسكر ليصير جريئا على الفعلة التي هو مقدم عليها . وهي عقر الناقة التي أرسلها الله آية لهم ؛ وحذرهم رسولهم أن يمسوها بسوء فيأخذهم عذاب أليم . . ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر )وتمت الفتنة ووقع البلاء .
و : { صاحبهم } هو قدار بن سالف ، وبسببه سمي الجزار القدار لشبه في الفعل ، قال الشاعر [ عدي بن ربيعة ] : [ الكامل ]
إنا لنضرب بالسيوف رؤوسهم . . . ضرب القدار نقيعة القدام{[10786]}
وقد تقدم شرح أمر قدار بن سالف . و : «تعاطى » مطاوع عاطى ، فكأن هذه الفعلة تدافعها الناس وأعطاها بعضهم بعضاً ، فتعاطاها هو وتناول العقر بيده ، قاله ابن عباس ، ويقال للرجل الذي يدخل نفسه في تحمل الأمور الثقال متعاط على الوجه الذي ذكرناه ، والأصل عطا يعطو ، إذا تناول ، ثم يقال : عاطى ، وهو كما تقول : جرى وجارى وتجارى وهذا كثير ، ويروى أنه كان مع شرب وهم التسعة الرهط ، فاحتاجوا ماء فلم يجدوه بسبب ورد الناقة ، فحمله أصحابه على عقرها .
ويروى أن ملأ القبيل اجتمع على أن يعقرها ، ورويت أسباب غير هذين ، وقد تقدم ذلك .
فنادَوا صاحبهم الذي أغروه بقتلها وهو قُدار بضم القاف وتخفيف الدال بنُ سالف . ويعرف عند العرب بأحمر ، قال زهير :
فَتُنْتِجْ لكم غلمانَ أشأَمَ كلَّهم *** كأحمرِ عَاد ثم تُرضع فَتفْطِم
يريد أحمر ثمود لأن ثموداً إخوة عاد ( ولم أقف على سبب وصفه بأحمر وأحسب أنه لبياض وجهه ) . وفي الحديث بُعثت إلى الأحمر والأسود ، وكان قُدار من سَادتهم وأهل العزة منهم ، وشبههُ النبي بأبي زمعة يعني الأسودَ بن المطلب بن أسد في قوله : فانتدب لها رجل ذو منعة في قومه كأبي زمعة ( أي فأجاب نداءهم فَرماها بنبل فقتلها ) .
وعبر عنه بصاحبهم للإِشارة إلى أنهم راضون بفعله إذ هم مصاحبون له وممالئون .
ونداؤهم إياه نداء الإِغراء بالناقة وإنما نادوه لأنه مشتهر بالإِقدام وقلة المبالاة لعزته .
وتعاطى } مطاوع عاطاه وهو مشتق من : عطَا يعطو ، إذا تناول . وصيغة تفاعل تقتضي تعدد الفاعل ، شبه تخوف القوم من قتلها لما أنذرهم به رسولهم من الوعيد وتردُّدُهم في الإِقدام على قتلها بالمعاطاة فكل واحد حين يُحجم عن مباشرة ذلك ويشير بغيره كأنه يعطي ما بيده إلى يد غيره حتى أخذه قُدار .
وعطف { فعقر } بالفاء للدلالة على سرعة إتيانه ما دعوه لأجله .
والعقر : أصله ضرب البعير بالسيف على عراقيبه ليسقط إلى الأرض جاثياً فيتمكن الناحر من نَحره . قال أبو طالب :
ضروبٌ بنصل السيف سُوق سمائها *** إذا عدموا زادا فإنك عاقر
وغلب إطلاقه على قتل البعير كما هنا إذ ليس المراد أنه عَقَرها بل قتلها بنبله .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فنادت ثمود صاحبهم عاقر الناقة قدار بن سالف ليعقر الناقة حضّا منهم له على ذلك.
وقوله:"فَتَعاطَى فَعَقَرَ "يقول: فتناول الناقة بيده فعقرها.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فتعاطى} فاجترأ على تعاطي الأمر العظيم غير مكترث له، فأحدث العقر بالناقة.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و: «تعاطى» مطاوع عاطى، فكأن هذه الفعلة تدافعها الناس وأعطاها بعضهم بعضاً، فتعاطاها هو وتناول العقر بيده، قاله ابن عباس، ويقال للرجل الذي يدخل نفسه في تحمل الأمور الثقال متعاط على الوجه الذي ذكرناه.
{فنادوا صاحبهم} نداء المستغيث وقوله تعالى: {فتعاطى فعقر} يحتمل وجوها؛
(الأول): تعاطى آلة العقر فعقر.
(الثاني): تعاطى الناقة فعقرها وهو أضعف.
(الثالث): التعاطي يطلق ويراد به الإقدام على الفعل العظيم والتحقيق هو أن الفعل العظيم يقدم كل أحد فيه صاحبه ويبرئ نفسه منه فمن يقبله ويقدم عليه يقال: تعاطاه كأنه كان فيه تدافع فأخذه هو بعد التدافع.
(الرابع): أن القوم جعلوا له على عمله جعلا فتعاطاه وعقر الناقة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر). وصاحبهم هو أحد الرهط المفسدين في المدينة، الذين قال عنهم في سورة النمل: (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون).وهو الذي قال عنه في سورة الشمس: (إذ انبعث أشقاها).وقيل: إنه تعاطى الخمر فسكر ليصير جريئا على الفعلة التي هو مقدم عليها. وهي عقر الناقة التي أرسلها الله آية لهم؛ وحذرهم رسولهم أن يمسوها بسوء فيأخذهم عذاب أليم.. (فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر) وتمت الفتنة ووقع البلاء.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والعقر: أصله ضرب البعير بالسيف على عراقيبه ليسقط إلى الأرض جاثياً فيتمكن الناحر من نَحره. وغلب إطلاقه على قتل البعير كما هنا إذ ليس المراد أنه عَقَرها بل قتلها بنبله.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{فَعَقَرَ} أي فقتلها، كوسيلة تحدٍ للرسول، لإبعاد تأثيره في المجتمع، لما تمثله الناقة من معجزة إلهيةٍ تتّصل بالواقع الاقتصادي للناس.