{ 84 - 89 } { قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ }
أي : قل لهؤلاء المكذبين بالبعث ، العادلين بالله غيره ، محتجا عليهم بما أثبتوه ، وأقروا به ، من توحيد الربوبية ، وانفراد الله بها ، على ما أنكروه من توحيد الإلهية والعبادة ، وبما أثبتوه من خلق المخلوقات العظيمة ، على ما أنكروه من إعادة الموتى ، الذي هو أسهل من ذلك .
{ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا } أي : من هو الخالق للأرض ومن عليها ، من حيوان ، ونبات وجماد وبحار وأنهار وجبال ، المالك لذلك ، المدبر له ؟
أما الحجة الأولى فتتجلى فى قوله - سبحانه - : { قُل لِّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - لمن هذه الأرض ملكاً وتصرفاً ، ولمن هذه المخلوقات التى عليها ، خلقاً وتدبيراً ، إن كنتم من أهل العلم والفهم ؟ أو كنتم عالمين بذلك فأخبرونى من خالقهم ؟ فجواب الشرط محذوف لدلالة الاستفهام عليه .
ولقد كان مشركو العرب مضطربي العقيدة ، لا ينكرون الله ، ولا ينكرون أنه مالك السماوات والأرض ، مدبر السماوات والأرض ، المسيطر على السماوات والأرض . . ولكنهم مع ذلك يشركون معه آلهة مدعاة ، يقولون : إنهم يعبدونها لتقربهم من الله ، وينسبون له البنات . سبحانه وتعالى عما يصفون :
فهو هنا يأخذهم بمسلماتهم التي يقرون بها ، ليصحح ذلك الاضطراب في العقيدة ، ويردهم إلى التوحيد الخالص الذي تقود إليه مسلماتهم ، لو كانوا يستقيمون على الفطرة ولا ينحرفون :
( قل : لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ? سيقولون : لله . قل : أفلا تذكرون ? قل : من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ? سيقولون : لله . قل : أفلا تتقون ? قل : من بيده ملكوت كل شيء ، وهو يجير ولا يجار عليه ، إن كنتم تعلمون ? سيقولون : لله . قل : فأنى تسحرون ? ) . .
وهذا الجدال يكشف عن مدى الاضطراب الذي لا يفيء إلى منطق ، ولا يرتكن إلى عقل ؛ ويكشف عن مدى الفساد الذي كانت عقائد المشركين قد وصلت إليه في الجزيرة عند مولد الإسلام .
( قل : لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ? ) . . فهو سؤال عن ملكية الأرض ومن فيها :
يقرر تعالى وحدانيته ، واستقلاله بالخلق والتصرف والملك ، ليرشد إلى أنه الذي لا إله إلا هو ، ولا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له ؛ ولهذا قال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين العابدين معه غيره ، المعترفين له بالربوبية ، وأنه لا شريك له فيها ، ومع هذا فقد أشركوا معه في الإلهية ، فعبدوا غيره معه ، مع اعترافهم أن الذين عبدوهم لا يخلقون شيئًا ، ولا يملكون شيئًا ، ولا يستبدّون بشيء ، بل اعتقدوا أنهم يقربونهم إليه زلفى : { مَا{[20629]} نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [ الزمر : 3 ] ، فقال : { قُلْ لِمَنِ الأرْضُ وَمَنْ فِيهَا } أي : من مالكها الذي خلقها ومن{[20630]} فيها من الحيوانات والنباتات والثمرات ، وسائر صنوف المخلوقات { إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .
أمر الله تعالى نبيه بتوقيفهم على هذه الأشياء التي لا يمكنهم إلا الإقرار بها ويلزم من الإقرار بها أن يؤمنوا بباريها ويذعنوا لشرعه ورسالة رسوله ، وقرأ الجميع في الأول { لله } بلا خلاف وفي الثاني والثالث ، فقرأ أبو عمرو وحده «لله » جواباً على اللفظ ، وقرأ باقي السبعة ، «لله » جواباً على المعنى كأنه قال في السؤال لمن ملك { السموات السبع } إذ قولك لمن هذه الدار ؟ وقولك من مالك هذه الدار ؟ واحد في المعنى{[8531]} ثم جعل التوبيخ مدرجاً بحسب وضوح الحجة شيئاً فشيئاً فوقف على الأرض ومن فيها وجعل بإزاء ذلك التذكر ، ثم وقف على { السموات السبع } ، و { العرش } ، وجعل بإزاء ذلك التقية وهي أبلغ من التذكر وهذا بحسب وضوح الحجة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.