وكذب - أيضا - قوم ثمود نبيهم صالحا ، وقوم لوط نبيهم لوطا ، وأصحاب الأيكة وهم قوم شعيب . كذبوه كذلك - فكانت نتيجة هذا التكذيب الإِهلاك لهؤلاء المكذبين - كما قال - تعالى - : { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }{ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } والإِشارة فى قوله - تعالى - : { أولئك الأحزاب } تعود إلى هؤلاء الأقوام المكذبين لرسلهم وسموا بالأحزاب ، لأنهم تحزبوا ضد رسلهم ، وانضم بعضهم إلى بعض فى تكذيبهم ، ووقفوا جميعا موقف المحارب لهؤلاء الرسل الكرام .
ويضرب الله الأمثال لأولئك المتجبرين على مدار القرون ؛ فإذا هم( جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ) :
( كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد ، وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة . أولئك الأحزاب .
إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب ) . .
فهذه أمثلة ممن سبقوا قريشاً في التاريخ . قوم نوح . وعاد . وفرعون صاحب الأهرام التي تقوم في الأرض كالأوتاد . وثمود . وقوم لوط . وقوم شعيب أصحاب الأيكة - الغابة الملتفة - ( أولئك الأحزاب ) ! الذين كذبوا الرسل .
يقول تعالى مخبرا عن هؤلاء القرون الماضية ، وما حل بهم من العذاب والنكال والنقمات في مخالفة الرسل وتكذيب الأنبياء وقد تقدمت قصصهم مبسوطة في أماكن متعددة . وقوله : { أُولَئِكَ الأحْزَابُ } أي : كانوا أكثر منكم وأشد قوة وأكثر أموالا وأولادا فما دافع ذلك عنهم من عذاب الله من شيء لما جاء أمر ربك . ولهذا قال : { إِنْ كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ }
وأصحَابُ الأيْكَةِ يعني : وأصحاب الغَيْضة . وكان أبو عمرو بن العلاء فيما حُدثت عن معمر بن المثنى ، عن أبي عمرو يقول : الأيكة : الحَرَجة من النبع والسدر ، وهو الملتفّ منه ، قال الشاعر :
أَفَمِنْ بُكاءِ حَمامَةٍ في أَيْكَةٍيَرْفَضّ*** دَمْعُكَ فَوْقَ ظَهر المَحمِلِ
يعني : مِحْمَل السيف . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وأصْحابُ الأيْكَةِ ) : قال : كانوا أصحاب شجر ، قال : وكان عامّة شجرهم الدّوْم .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ( وأصحَابُ الأَيْكَةِ ) : قال : أصحاب الغَيْضة .
وقوله : ( أُولَئِكَ الأحْزَابُ ) : يقول تعالى ذكره : هؤلاء الجماعات المجتمعة ، والأحزاب المتحزّبة على معاصي الله والكفر به ، الذين منهم يا محمد مشركو قومك ، وهم مسلوك بهم سبيلهم .
وأما ثمود وقوم لوط فتقدم الكلام عليهم غير مَرة . و { أصحاب لَيكة } : هم أهل مدين ، وقد تقدم خبرهم وتحقيق أنهم من قوم شعيب وأنهم مختلطون مع مدين في سورة الشعراء .
وتقديم ذكر فرعون على ثمود وقوم لوط وأصحاب ليكة مع أن قصته حدثت بعد قصصهم لأن حالهُ مع موسى أشبه بحال زعماء أهل الشرك بمكة من أحوال الأمم الأخرى فإنه قاوم موس بجيش كما قاوم المشركون المسلمين بجيوش .
وجملة { أولئك الأحزابُ } معترضة بين جملة { كذبت قبلهم } وجملة { إن كلٌّ إلاَّ كذَّبَ الرُّسلَ } . واسم الإِشارة مستعمل في التعظيم ، أي تعظيم القوة .
والتعريف في { الأحزاب } استغراق ادعائي وهو المسمى بالدلالة على معنى الكمال مثل : هُمُ القوم وأنت الرجلُ . والحصر المستفاد من تعريف المسند والمسند إليه حصر ادعائي ، قُصرت صفة الأحزاب على المشار إليهم ب { أولئك } بادعاء الأمم وأن غيرهم لمّا يبلغوا مبلغ أن يُعَدُّوا مِن الأحزاب فظاهر القَصر ولام الكمال لتأكيد معنى الكمال كقول الأشهب بن رُميلة :
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم *** هم القومُ كلُّ القوم يا أم خالد
والمعنى : أولئك المذكورون هم الأمم لا تُضاهيهم أمم في القوة والشدة . وهذا تعريض بتخويف مشركي العرب من أن ينزل بهم ما نزل بأولئك على حد قوله تعالى : { أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثاراً في الأرض فأخذهم اللَّه بذنوبهم وما كان لهم من اللَّه من واق ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم اللَّه إنه قويٌّ شديد العقاب } في سورة [ غافر : 21 - 22 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة}: غيضة الشجر وهو المقل، وهي قرية شعيب.
يعزي النبي صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيب كفار مكة، كما كذبت الرسل قبله فصبروا.
{أولئك الأحزاب}: الأمم الخالية.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وأصحَابُ الأيْكَةِ" يعني: وأصحاب الغَيْضة... عن أبي عمرو يقول: الأيكة: الحَرَجة من النبع والسدر، وهو الملتفّ منه...
وقوله: "أُولَئِكَ الأحْزَابُ" يقول تعالى ذكره: هؤلاء الجماعات المجتمعة، والأحزاب المتحزّبة على معاصي الله والكفر به، الذين منهم يا محمد مشركو قومك، وهم مسلوك بهم سبيلهم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{أُوْلَئِكَ الأحزاب} قصد بهذه الإشارة الإعلام بأنّ الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هم، وأنهم هم الذين وجد منهم التكذيب...
الأول: أن هؤلاء الذين ذكرناهم من الأمم هم الذين تحزبوا على أنبيائهم فأهلكناهم، فكذلك نفعل بقومك، لأنه تعالى بين بقوله: {جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب} أن قوم محمد صلى الله عليه وسلم جند من الأحزاب، أي من جنس الأحزاب المتقدمين، فلما ذكر أنه عامل الأحزاب المتقدمين بالإهلاك كان ذلك تخويفا شديدا لقوم محمد صلى الله عليه وسلم.
الثاني: {أولئك الأحزاب} مبالغة لوصفهم بالقوة والكثرة، كما يقال فلان هو الرجل، والمعنى أن حال أولئك الأحزاب مع كمال قوتهم لما كان هو الهلاك والبوار، فكيف حال هؤلاء الضعفاء المساكين.
واعلم أن هؤلاء الأقوام إن صدقوا بهذه الأخبار فهو تحذير، وإن لم يصدقوا بها فهو تحذير أيضا، لأن آثار هذه الوقائع باقية وهو يفيد الظن القوي فيحذرون، ولأن ذكر ذلك على سبيل التكرير يوجب الحذر أيضا...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كانت ثمود أضخم الناس بعدهم بما لهم من إتقان الأبنية في الجبال والسهول والتوسع بعمارة الحدائق وإنباط العيون وغير ذلك من الأمور، مع مناسبتهم لهم في رؤية الآيات المحسوسة الظاهرة العظيمة أتبعهم بهم فقال: {وثمود}.
ولما كان الحامل لثمود على المعصية الموجبة العذاب النساء؛ لأن عاقر الناقة ما اجترأ على عقرها إلا لامرأة منهم جعلت له على عقرها زواجها، وكان الموجب لعذاب قوم لوط إتيان الذكور، فالجامع بينهم شهوة الفرج مع الطباق بالذكور والإناث، ومع أن عذاب ثمود برجف ديارهم، وعذاب قوم لوط بقلع مدائنهم وحملها ثم قلبها، أتبعهم بهم فقال معبراً بما يدل على قوتهم مضيفاً لهم إلى نبيهم عليه السلام لأنهم عدة مداين ليس لهم اسم جامع كقوم نوح عليه السلام: {وقوم لوط}.
ولما ذكر أهل المدر، أتبعهم طائفة من أهل الوبر يقاربونهم في الاستعصاء بالشجر، مع أن عذابهم بظلة النار كما كان لقوم لوط عليه السلام حجارة من نار فقال:
{وأصحاب الأيْكَةِ} ثم عظم أمرهم تهويناً لأمر قريش وردعاً لهم بالحث على استحضار عذابهم فقال: {أولئك} أي العظماء في التجند والاجتماع على من يناوونه {الأحزاب} أي الذين أقصى رتب هؤلاء في المخالفة أن يكونوا مثل حزب منهم...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تقديم ذكر فرعون على ثمود وقوم لوط وأصحاب ليكة مع أن قصته حدثت بعد قصصهم، لأن حالهُ مع موسى أشبه بحال زعماء أهل الشرك بمكة من أحوال الأمم الأخرى؛ فإنه قاوم موسى بجيش كما قاوم المشركون المسلمين بجيوش...
اسم الإِشارة مستعمل في التعظيم، أي تعظيم القوة.
والتعريف في {الأحزاب} استغراق ادعائي وهو المسمى بالدلالة على معنى الكمال مثل: هُمُ القوم وأنت الرجلُ.
والحصر المستفاد من تعريف المسند والمسند إليه حصر ادعائي، قُصرت صفة الأحزاب على المشار إليهم ب {أولئك} بادعاء الأمم وأن غيرهم لمّا يبلغوا مبلغ أن يُعَدُّوا مِن الأحزاب، فظاهر القَصر ولام الكمال لتأكيد معنى الكمال؛ والمعنى: أولئك المذكورون هم الأمم لا تُضاهيهم أمم في القوة والشدة، وهذا تعريض بتخويف مشركي العرب من أن ينزل بهم ما نزل بأولئك.