ورابعها : نراه فى قوله - سبحانه - : { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ } والفاء للتفريع على ما تقدم ، من كون الرؤساء لم يجبروا الضعفاء على البقاء فى الكفر .
أى : نحن وأنتم لم تكونوا مؤمنين أصلا . فكانت نتيجتنا جميعا ، أن استحققنا العذاب ، وأن لزمنا ما توعدنا به خالقنا من ذوق العذاب ، جزاء كفرنا وشركنا به - تعالى - .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَحَقّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبّنَآ إِنّا لَذَآئِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنّا كُنّا غَاوِينَ * فَإِنّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * إِنّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : فحقّ علينا قول ربنا ، فوجب علينا عذاب ربنا ، إنا لذائقون العذاب نحن وأنتم بما قدّمنا من ذنوبنا ومعصيتنا في الدنيا فهذا خبر من الله عن قيل الجنّ والإنس ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَحَقّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبّنا . . . الاَية ، قال : هذا قول الجنّ .
فرّعوا على كلامهم اعترافهم بأنهم جميعاً استحقُّوا العذاب فقولهم : { فحَقَّ علينا قولُ ربنا إنَّا لذائِقُونَ } ، تفريعَ الاعتراض ، أي كان أمر ربنا بإذاقتنا عذاب جهنم حقّاً . وفعل « حقّ » بمعنى ثبت .
وجملة { إنَّا لذائقون } بيان ل { قَوْلُ رَبِّنا } . وحكي القول بالمعنى على طريقة الالتفات ولولا الالتفات لقال : إنكم لذائقون أو إنهم لَذَائِقُونَ . ونكتة الالتفات زيادة التنصيص على المعنيّ بذوق العذاب .
وحذف مفعول « ذائقون » لدلالة المقام عليه وهو الأمر بقوله تعالى : { فاهدوهم إلى صراط الجحيم } [ الصافات : 23 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
قالت الشياطين: {فحق علينا قول ربنا} يوم قال لإبليس: {لأملأن جهنم منك}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"فحقّ علينا قول ربنا": فوجب علينا عذاب ربنا،
"إنا لذائقون" العذاب، نحن وأنتم، بما قدّمنا من ذنوبنا ومعصيتنا في الدنيا. فهذا خبر من الله عن قيل الجنّ والإنس...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وجب علينا "قول ربنا "بأنا لا نؤمن، ونموت على الكفر.
" إنا لذائقون "العذاب يعني، إنا ندركه كما ندرك المطعوم بالذوق.
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
{إنا لذائقون} العذاب: الضال والمضل جميعاً في النار.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فَحَقَّ عَلَيْنَا} فلزمنا {قَوْلُ رَبّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} يعني: وعيد الله بأنا ذائقون لعذابه لا محالة، لعلمه بحالنا واستحقاقنا بها العقوبة...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فحق علينا} أي كلنا نحن وأنتم بسبب ذلك، وعبروا بما يدل على ندمهم فقالوا: {قول ربنا} أي الذي قابلنا إحسانه إلينا وتربيته لنا بالكفران، وقوله هو الحكم بالضلال لما في قلوبنا من القابلية له والإباء للإيمان، فالحكم بالعذاب.
ولما تصوروا ما صاروا إليه من الخطأ الفاحش عن الطريق الواضح، وعلموا أن مثل ذلك لا يتركه أحد إلا بقهر قاهر فتصوروا أنه ما قسرهم عليه إلا حقوق الكلمة العليا، علموا أنهم مثل ما صاروا إلى حكمها في الكفر يصيرون إلى حكمها في العذاب، فقالوا لما دهمهم من التحسر مريدين بالتأكيد قطع أطماع الأتباع عما أفهمه كلامهم من أن الرؤساء يغنون عنهم شيئاً: {إنا} أي جميعاً {لذائقون} أي ما وقع لنا به الوعيد من سوء العذاب.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
لأجل أنا بطبعنا كنا قوما طاغين، وللكفر وتدسية أنفسنا مستعدين، وعن الإيمان بربنا معرضين- ثبت علينا وعيده بأنا ذائقو العذاب لا محالة، إذ كان من عدله أن يجازي كل نفس بما كسبت، ويثيبها بما عملت وهو الخبير بها وبما اجترحت.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
« حقّ» بمعنى ثبت، وحكي القول بالمعنى على طريقة الالتفات ولولا الالتفات لقال: إنكم لذائقون أو إنهم لَذَائِقُونَ، ونكتة الالتفات زيادة التنصيص على المعنيّ بذوق العذاب.
... وتأمل قوله سبحانه: {إِنَّا لَذَآئِقُونَ} ولم يقولوا مُعذَّبون أو مُحرَّقون، لأن العذاب أو الإحراق يمكن أنْ ينتهي في وقت من الأوقات، أما الإذاقة فهي دائمة ومستمرة، وهذا المعنى واضح في قوله تعالى:
{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ} [النساء: 56].