( وألقت ما فيها وتخلت ) . . وهو تعبير يصور الأرض كائنة حية تلقي ما فيها وتتخلى عنه . وما فيها كثير . منه تلك الخلائق التي لا تحصى ، والتي طوتها الأرض في أجيالها التي لا يعلم إلا الله مداها . ومنه سائر ما يختبئ في جوف الأرض من معادن ومياه وأسرار لا يعلمها إلا بارئها . وقد حملت حملها هذا أجيالا بعد أجيال ، وقرونا بعد قرون . حتى إذا كان ذلك اليوم : ألقت ما فيها وتخلت . .
وقوله : وَألْقَتْ ما فِيها وتَخَلّتْ يقول جلّ ثناؤه : وألقت الأرض ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها وتخلّت منهم إلى الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَألْقَتْ ما فِيها وتَخَلّتْ قال : أخرجت ما فيها من الموتى .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَألْقَتْ ما فِيها وتَخَلّتْ قال : أخرجت أثقالها وما فيها .
وقوله : { وألقت ما فيها } صالح للحمل على ما يناسب هذه الاحتمالات في مدّ الأرض ومحتمل لأن تنقذف من باطن الأرض أجزاء أخرى يكون لانقذافها أثر في إتلاف الموجودات مثلُ البراكين واندفاعُ الصخور العظيمة وانفجار العيون إلى ظاهر الأرض فيكون طوفان .
{ وتخلت } أي أخرجت ما في باطنها فلما يبق منه شيء لأن فعل تخلّى يدل على قوة الخلوّ عن شيء لما في مادة التفعل من الدلالة على تكلف الفعل كما يقال تكرم فلان إذا بالغ في الإِكرام .
والمعنى : إنه لم يبق مما في باطن الأرض شيء كما قال تعالى : { وأخرجت الأرض أثقالها } [ الزلزلة : 2 ] .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله: (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ) يقول جلّ ثناؤه: وألقت الأرض ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها وتخلَّتْ منهم إلى الله...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي ألقت ما وضع فيها من الموتى والكنوز، فتخلت عنها، فنسب التخلي إليها، وإن كان من فيها، هو الذي تخلى عنها، وكانت هي الحابسة، لأنه إذا تخلى عنها تخلت هي عنه...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{وَتَخَلَّتْ} وخلت فليس في باطنها شيء...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
معناه ألقت ما فيها من المعادن وغيرها، وتخلت منها، وذلك مما يؤذن بعظم الآمر كما تلقي الحامل ما في بطنها عند الشدة...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا} ورمت بما في جوفها مما دفن فيها من الموتى والكنوز {وَتَخَلَّتْ} وخلت غاية الخلو حتى لم يبق شيء في باطنها، كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهو تعبير يصور الأرض كائنة حية تلقي ما فيها وتتخلى عنه. وما فيها كثير. منه تلك الخلائق التي لا تحصى، والتي طوتها الأرض في أجيالها التي لا يعلم إلا الله مداها. ومنه سائر ما يختبئ في جوف الأرض من معادن ومياه وأسرار لا يعلمها إلا بارئها. وقد حملت حملها هذا أجيالا بعد أجيال، وقرونا بعد قرون. حتى إذا كان ذلك اليوم: ألقت ما فيها وتخلت...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
فقد احتفظت بكل هذه الخلائق التي لا تعدّ ولا تحصى في داخلها، وبقيت على ذلك، انقياداً لله في قوانينه العامة التي جعلتها تبقى في حالةٍ من التماسك والقوّة، إلى أن حان الوقت الذي أخذت تلفظ فيه كل ما في داخلها وتتخلى عنه، وذلك استجابةً لإرادة الله تعالى أيضاً ببعث الناس إليه في يوم القيامة ليخرجوا من الأجداث كأنهم جرادٌ منتشر، فامتثلت لأمره...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وثمّة احتمال آخر في تفسير الآية، يقول: إنّ المواد المذابة التي في باطن الأرض ستخرج نتيجة الزلازل الرهيبة التي تقذفها إلى الخارج، فتملأ الحفر والمنخفضات الموجودة على سطح الأرض، وستهدأ الأرض بعد أن يخلو باطنها من هذه المواد. والجمع بين المعاني التي وردت في تفسير الآية، ممكن...