{ يَقُولُ الإنسان يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المفر } أى : فإذا ما تم كل ذلك ، يقول الإِنسان فى هذا الوقت الذى يبرق فيه البصر ، ويخسف فيه القمر ، ويجمع فيه بين الشمس والقمر : أين المفر . أى : أين الفرار من قضاء الله - تعالى - ومن قدره وحسابه . فالمفر مصدر بمعنى الفرار . . والاستفهام بمعنى التمنى أى : ليت لى مكانا أفر إليه مما أراه .
وقوله : يَقُولُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ أيْنَ المَفَرّ بفتح الفاء ، قرأ ذلك قرّاء الأمصار ، لأن العين في الفعل منه مكسورة ، وإذا كانت العين من يفعل مكسورة ، فإن العرب تفتحها في المصدر منه إذا نطقت به على مَفعَل ، فتقول : فرّ يفرّ مَفَرّا ، يعني فرّا ، كما قال الشاعر :
يا لَبَكْرٍ أَنْشِرُوا لي كُلَيْبا *** يا لَبَكْرٍ أيْنَ أيْنَ الْفِرَارُ
إذا أريد هذا المعنى من مفعل قالوا : أين المفرّ بفتح الفاء ، وكذلك المدبّ من دبّ يدبّ ، كما قال بعضهم :
كأنّ بَقايا الأَثْرِ فَوْقَ مُتُونِه *** مَدَبّ الدّبَى فَوْقَ النّقا وَهْوَ سارِح
وقد يُنشد بكسر الدال ، والفتح فيها أكثر ، وقد تنطق العرب بذلك ، وهو مصدر بكسر العين . وزعم الفرّاء أنهما لغتان ، وأنه سُمع : جاء على مَدبّ السيل ، ومِدبّ السيل ، وما في قميصه مَصحّ ومِصحّ . فأما البصريون فإنهم في المصدر يفتحون العين من مَفْعَل إذا كان الفعل على يَفعِل ، وإنما يُجيزون كسرها إذا أريد بالمفعل المكان الذي يفرّ إليه ، وكذلك المضرب : المكان الذي يضرب فيه إذا كُسرت الراء . ورُوِي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك بكسر الفاء ، ويقول : إنما المفرّ : مفر الدابة حيث تفرّ .
والقراءة التي لا أستجيز غيرها الفتح في الفاء من المَفرّ ، لإجماع الحجة من القرّاء عليها ، وأنها اللغة المعروفة في العرب إذا أريد بها الفرار ، وهو في هذا الموضع الفرار . وتأويل الكلام : يقول الإنسان يوم يعاين أهوال يوم القيامة : أين المفرّ من هول هذا الذي قد نزل ، ولا فرار .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم ذكّر فقال: {يقول} هذا {الإنسان} المكذب بيوم القيامة {يومئذ أين المفر} يعني أين المهرب حتى أحرز نفسي...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول الإنسان يوم يعاين أهوال يوم القيامة: أين المفرّ من هول هذا الذي قد نزل، ولا فرار.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فجائز أن يكون قوله: {أين المفر} على طلب الحيلة أن كيف أحتال إلى أن أفرّ، أو إلى من ألتجئ لأتخلص من بأس الله وعذابه؟. ويحتمل أن يكون قوله: {أين المفر} أي ليس لي موضع فرار عما حلّ بي لإيقانه أن ليس له مفر. وجائز أن يكون هذا كله عند الموت على ما ذكرنا.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
"أين المفر" أي الفرار والموضع الذي إليه الفرار والزمان القابل لذلك، قول آيس مدهوش قاده إليه الطبع.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وفي وسط هذا الذعر والانقلاب، يتساءل الإنسان المرعوب: (أين المفر؟) ويبدو في سؤاله الارتياع والفزع، وكأنما ينظر في كل اتجاه، فإذا هو مسدود دونه، مأخوذ عليه!
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.