{ وَإِلَى رَبِّكَ } وحده { فَارْغَبْ } أي : أعظم الرغبة في إجابة دعائك وقبول عباداتك{[1453]} .
ولا تكن ممن إذا فرغوا وتفرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره ، فتكون من الخاسرين .
وقد قيل : إن معنى قوله : فإذا فرغت من الصلاة وأكملتها ، فانصب في الدعاء ، وإلى ربك فارغب في سؤال مطالبك .
واستدل من قال بهذا القول على مشروعية الدعاء والذكر عقب الصلوات المكتوبات ، والله أعلم بذلك . تمت ولله الحمد .
وبعد هذا التعديد لتلك النعم العظيمة ، أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد فى العبادة فقال - تعالى - : { فَإِذَا فَرَغْتَ فانصب وإلى رَبِّكَ فارغب } .
وأصل الفراغ خول الإِناء مما بداخله من طعام أو غيره ، والمراد به هنا الخلو من الأعمال التى تشغل الإِنسان ، والنصب : التعب والاجتهاد فى تحصيل المطلوب .
أى : فإذا فرغت - أيها الرسول الكريم - من عمل من الأعمال ، فاجتهد فى مزاولة عمل آخر من الأعمال التى تقربك من الله - تعالى - ، كالصلاة ، والتهجد ، وقراءة القرآن الكريم .
واجعل رغبتك فى جميع أعمالك وعباداتك ، من أجل إرضاء ربك ، لا من أجل شيء آخر ، فهو وحده القادر على إبلاغك ما تريد ، وتحقيق آمالك .
فالمقصود بهاتين الآيتين حثه صلى الله عليه وسلم وحث أتباعه فى شخصه على استدامة العمل الصالح ، وعدم الانقطاع عنه ، مع إخلاص النية لله - تعالى - فإن المواظبة على الأعمال الصالحة مع الإخلاص فيها ، تؤدى إلى السعادة التى ليس بعدها سعادة .
ولقد استجاب صلى الله عليه وسلم لهذا الإِرشاد الحكيم ، " فقد قام الليل حتى تورمت قدماه ، وعندما سئل ما كل هذه العبادة ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك ؟ قال : " أفلا أكون عبدا شكورا " .
وسار أصحابه من بعده على هذا الهدى القويم : فعمروا حياتهم بالباقيات الصالحات من الأعمال ، دون أن يكون للفراغ السيء مكان فى حياتهم ، بل واصلوا الجهاد بالجهاد ، وأعمال البر بمثلها .
ومن أقوال عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - : إنى لأكره لأحدكم أن يكون خاليا ، لا فى عمل دنيا ولا دين " .
وفى رواية أنه قال : " إنى لأنظر إلى الرجل فيعجبني ، فإذا قيل : إنه لا عمل له سقط من عينى " .
نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا جميعا ممن يعمرون أوقاتهم بالأعمال الصالحة ، والخالصة لوجهه الكريم .
( وإلى ربك فارغب ) . . إلى ربك وحده خاليا من كل شيء حتى من أمر الناس الذين تشتغل بدعوتهم . . إنه لا بد من الزاد للطريق . وهنا الزاد . ولا بد من العدة للجهاد . وهنا العدة . . وهنا ستجد يسرا مع كل عسر ، وفرجا مع كل ضيق . . هذا هو الطريق !
وتنتهي هذه السورة كما انتهت سورة الضحى ، وقد تركت في النفس شعورين ممتزجين : الشعور بعظمة الود الحبيب الجليل الذي ينسم على روح الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] من ربه الودود الرحيم . والشعور بالعطف على شخصه [ صلى الله عليه وسلم ] ونحن نكاد نلمس ما كان يساور قلبه الكريم في هذه الآونة التي اقتضت ذلك الود الجميل .
إنها الدعوة . هذه الأمانة الثقيلة وهذا العبء الذي ينقض الظهر . وهي مع هذا وهذا مشرق النور الإلهي ومهبطه ، ووصلة الفناء بالبقاء ، والعدم بالوجود !
وقوله : وَإلى رَبّكَ فارْغَبْ يقول تعالى ذكره : وإلى ربك يا محمد فاجعل رغبتك ، دون من سواه من خلقه ، إذ كان هؤلاء المشركون من قومك قد جعلوا رغبتهم في حاجاتهم إلى الآلهة والأنداد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَإلى رَبّكَ فارْغَبْ قال : اجعل نيتك ورغبتك إلى الله .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَإلى رَبّكَ فارْغَبْ قال : اجعل رغبتك ونيتك إلى ربك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَإلى رَبّكَ فارْغَبْ قال : إذا قمت إلى الصلاة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.