فندم موسى عليه السلام على ما استعجل من صنعه بأخيه قبل أن يعلم براءته ، مما ظنه فيه من التقصير .
و قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي هارون وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ أي : في وسطها ، واجعل رحمتك تحيط بنا من كل جانب ، فإنها حصن حصين ، من جميع الشرور ، وثم كل الخير وسرور .
وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أي : أرحم بنا من كل راحم ، أرحم بنا من آبائنا ، وأمهاتنا وأولادنا وأنفسنا .
{ رَبِّ اغفر لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين } أى : قال موسى ليرضى أخاه ، وليظهر لأهل الشماتة رضاه عنه بعد أن ثبتت براءته : رب اغفر لى ما فرط منى من قول أو فعل فيه غلظة على أخى .
واغفر له كذلك ما عسى أن يكون قد قصر فيه مما أنت أعلم به منى ، وأدخلنا في رحمتك التي وسعت كل شىء فأنت أرحم بعبادك من كل راحم .
وبهذا يكون القرآن الكريم قد برأ ساحة هارون من التقصير ، وأثبت أنه قد عرض نفسه للأذى في سبيل أن يصرف عابدى العجل عن عبادته وفى ذلك تصحيح لما جاء في التوراة ( الفصل الثانى والثلاثين من سفر الخروج ) من أن هارون - عليه السلام - هو الذي صنع العجل لبنى إسرائيل ليعبدوه في غيبة موسى - عليه السلام - .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ رَبّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ } . .
يقول تعالى ذكره : قال موسى لما تبين له عذر أخيه ، وعلم أنه لم يفرّط في الواجب الذي كان عليه من أمر الله في ارتكاب ما فعله الجهلة من عبدة العجل : رَبّ اغْفِرْ لي مستغفرا من فعله بأخيه ، ولأخيه من سالف له بينه وبين الله ، تغمد ذنوبنا بستر منك تسترها به . وأدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ يقول : وارحمنا برحمتك الواسعة عبادك المؤمنين ، فإنك أنت أرحم بعبادك من كلّ من رحم شيئا .
جملة : { قال رب اغفر لي } جواب عن كلام هارون ، فلذلك فصلت . وابتدأ موسى دعاءه فطلب المغفرة لنفسه تأدباً مع الله فيما ظهر عليه من الغضب ، ثم طلب المغفرة لأخيه فيما عسى أن يكون قد ظهر منه من تفريط أو تساهل في ردع عبدة العجل عن ذلك .
وذكر وصف الأُخوة هناك زيادة في الاستعطاف عسى الله أن يُكرم رسوله بالمغفرة لأخيه كقول نوح : { رب إن ابني من أهلي } [ هود : 45 ] .
والإدخال في الرحمة استعارة لشمول الرحمة لهما في سائر أحوالهما ، بحيث يكونان منها ، كالمستقر في بيت أو نحوه مما يحوي ، فالإدخال استعارة أصلية وحرف ( في ) استعارة تبعية ، أوقع حرفه الظرفية موقع باء الملابسة .
وجملة : { وأنت أرحم الراحمين } تذييل ، والواوُ للحال أو اعتراضية ، و { أرحم الراحمين } الأشد رحمة من كل راحم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.